محمد العسومي

عندما يكون الحدث غير عادي، فإن النتائج المتوقعة تكون غير عادية، فعلى مدى تسعين عاماً تقريباً من التبادل الدبلوماسي بين المملكة العربية السعودية وروسيا الاتحادية، والذي توقف في ما بعد لفترة طويلة تعتبر زيارة الملك سلمان الأولى من نوعها لعاهل سعودي للعاصمة الروسية، حيث يتوقع أن يترتب على هذه الزيارة نتائج عديدة لن تقتصر انعكاساتها على البلدين فحسب، وإنما ستمتد لتشمل قضايا إقليمية وعالمية أخرى، يأتي في مقدمتها استقرار أسواق النفط.

السعودية وروسيا تعتبران أكبر منتجين للنفط في العالم، فالدولتان تنتجان 20% من إجمالي الإنتاج العالمي، مما يعني أن أي اتفاق بينهما ستكون له نتائج مباشرة على أسعار النفط، وهو ما حدث بالفعل حتى قبل هذه الزيارة، عندما اتفقت السعودية وروسيا نهاية العام الماضي على ضرورة تخفيض إنتاج النفط لدعم الأسعار ليشمل هذا الاتفاق فيما بعد الأعضاء كافة في منظمة «أوبك» والمنتجين الرئيسيين من خارج المنظمة الذين استجابوا لدعوة تخفيض الإنتاج.

النتائج كان جيدة، فقد تضاعفت أسعار النفط لتستقر فوق 50 دولاراً للبرميل كمتوسط للعام الجاري، في حين اقتربت من 60 دولاراً في الربع الثالث من العام نتيجة للتوقعات الخاصة بالقمة السعودية الروسية، إلى جانب أسباب فنية تتعلق بالاحتياطي الاستراتيجي من النفط في الولايات المتحدة، وكذلك لأسباب تتعلق بالكوارث البيئية والتطورات الجيو- سياسية. لذلك، فإن تأكيد الدولتين أثناء زيارة العاهل السعودي لموسكو على الالتزام بالتخفيضات في الإنتاج ودعم هذا الاتفاق في حالات الضرورة استوعبته الأسواق بصورة صحيحة، ما سيعزز المكاسب في الفترة المقبلة، ويحافظ على الأسعار لتتراوح ما بيت 50-60 دولاراً للبرميل، وهو سعر يناسب البلدان المنتجة والمستهلكة على حد سواء في الوقت الحاضر. ومن أجل منهجة هذا الاتفاق، وضمان استمراره، فقد أدرج ضمن محاور منتدى الاستثمار السعودي- الروسي، حيث ذكر وزير الاقتصاد الروسي من أن «هذا المنتدى يمثل خطوة جيدة لتعزيز الاستثمار مع السعودية ويدعم اتفاق خفض الإنتاج بين البلدين واستقرار النفط، إذ يتوقع أن تشهد أسواق النفط في المستقبل المزيد من الاستقرار في الإنتاج والأسعار، وهو مؤشر إيجابي للدول المنتجة. ونظراً لذلك، فإن انعكاسات عديدة ستترتب على اقتصادات البلدين لتساهم في إضفاء المزيد من التغير في العلاقات الدولية التي يُعاد رسم موازين القوى فيها من جديد، إذ يمكن لاقتصادي البلدين وللمستثمرين من السعودية وروسيا تحقيق مكاسب كبيرة بفضل الفرص المتاحة فيهما، فالسعودية أعلنت أثناء الزيارة عن استثمار 10 مليارات دولار في الصندوق السيادي الروسي، وكذلك التوقيع على اتفاقيات للتعاون في مجالات الطاقة، حيث وقعت «سايبور» الروسية اتفاقية مع «أرامكو» لاستكشاف الفرص والاستثمار المشترك في البلدين، في حين وقع رئيس «أرامكو» خمس مذكرات تفاهم مع كبرى شركات الطاقة الروسية، كما وقعت اتفاقية أخرى لإنشاء صندوق مشترك بقيمة مليار دولار.

مثل هذا التداخل والترابط في المصالح المشتركة بين أكبر منتجيْن للنفط في العالم، يكتسي أهمية كبرى، فهو يتم بين وواحدة من أكبر قوتين عالميتين وأكبر القوى الإقليمية في الشرق الأوسط، وهذا سيجد له انعكاسات جيو- سياسية مهمة ومحددة للعديد من التوجهات والتغيرات في مراكز القوى في المنطقة، خصوصاً وأن توجهات البلدين ترمي إلى تخفيف حدة التوترات وحل الأزمات الإقليمية وفتح المجال أمام عمل رؤوس الأموال وتدفق الاستثمارات ودعم التنمية في بلدان المنطقة، حيث يملك كل منهما فرصاً لا حدود لها، وذلك على عكس نظام الملالي في إيران الرامي إلى توتير الأوضاع ودعم المنظمات المتطرفة، واستغلال علاقاته الدولية لتأزيم الأوضاع وعسكرة المجتمعات بدعم مختلف المليشيات، بما يعنيه من ضياع لفرص التنمية وتبديد الثروات، وتدهور مستويات معيشة الشعب الإيراني.