صلاح خاشقجي

أخبار "البتكوين" باتت منتشرة في كل مكان في أرجاء الإنترنت. ليس ذلك فقط، بل حتى إنها انتشرت في مجموعات التواصل الاجتماعي. فالأرقام التي تسجلها يوما بعد يوم تنعش فكرة الثراء السريع، والتي عادة ما تستدعي التجمهر حولها. هذا لا يحصل في وسطنا الاقتصادي فقط، فحمى الـ "بتكوين" عالمية بامتياز. سعر العملة الرقمية وصل إلى ما يقارب خمسة آلاف دولار، أي أن سعرها ارتفع أكثر من ثلاثة أضعاف في أقل من عام. حتى إن المتحمسين لـ "البتكوين" بدأوا بترويج أن العملة الرقمية المشفرة الأولى سيتخطى سعرها العشرة آلاف دولار في عام 2018، معتمدين في ذلك على نظريتين أساسيتين هما: رواج العملة، إلى جانب محدودية العرض. فعدد العملات المصدرة من الـ "بتكوين" حتى اليوم يصل إلى أقل بقليل من 16.4 مليون "بتكوين". 

ما يجعل قيمتها السوقية تصل إلى نحو 80 مليار دولار. ولكن بحسب برنامج العملة المشفرة، فإن العدد النهائي لـ "البتكوين" التي يمكن إصدارها، والتي يتوقع أن تصل إليه العملة في عام 2024، هو 21 مليون عملة فقط، الأمر الذي يوحي بنوع من الندرة للعملة.

نظرية الندرة غير منطقية، حيث إنها لا يمكن أن تشكل حجر زاوية لوسيلة لتبادل القيمة. فندرة الذهب لم تمنعه من الأفول وانتهاء عصره لمصلحة العملات العائمة. أما الرواج، فهو الآخر سيخبو متى تدخلت البنوك المركزية والحكومات بشكل أو بآخر في تشريع العملات الرقمية المشفرة، وهو ما بدأ فعلا مع منع الحكومة الصينية لطروحات العملات الأولية. الخطر الأساس لـ "البتكوين"، وهو أيضا الميزة التي يمكن أن تكون السبب في قتله في نهاية المطاف، يكمن في السرية المطلقة للمتداولين، وهو أمر لا يمكن للحكومات أن تقبل به. ولكن كعادة أي فكرة فذة، فإنها تستمر بالانتشار والتجربة في بداية الأمر، حتى يلحق النظام التشريعي بالفكرة ويضع لها الأطر والأنظمة التشغيلية. وليس أدل على ذلك من تحذير مؤسسة النقد العربي السعودي من العملات المشفرة المتداولة، كونها لا تخضع لسلطة مركزية، وبين إعلانها عن إطلاق عملة إلكترونية برعايتها.

ما تقوم به مؤسسة النقد، هو ما ستنتهي به فكرة "البتكوين" في نهاية المطاف، وهو أيضا ما سيعيد تشكيل خريطة القوى في عالم المال وصناعته. فتقنية سلاسل الكتل الزمنية التي تحمل "البتكوين" هي التي ستروج وتزدهر، لأنها تقنية تحمل في طياتها عوامل إخلال ذكي لصناعة المال، خصوصا كل ما يحتاج إلى وجود وسيط لتوثيق القيمة. فمجرد إلغاء الحاجة إلى التوثيق المستمر، وكذلك الحاجة إلى وسيط سيخفض من تكاليف التبادل ويعززه. ومتى ما بدأت الحكومات بالوثوق بهذه التقنية، بعد عدة تجارب ناجحة مسيطر عليها بالكامل، فإنها ستقبل لا محالة أن يتراجع دورها إلى مجرد مشرع وحكم دون السيطرة على النظام ككل. فالكفاءة التي تقدمها تطبيقات تقنية سلاسل الكتل من إتاحة التعامل فردا لفرد لها إيجابيات اقتصادية أكبر من الإبقاء على مستوى السيطرة الحالي على النظام المالي. ولذلك فإن المستقبل سترسمه تقنية "البتكوين"، ولكن "البتكوين" نفسها قد تمر اليوم بأكبر فقاعة سعرية.