عبدالله العوضي

الاقتصاد عصب أي مجتمع يريد أن يمضي قدماً بمشاريعه التنموية نحو آفاق وطموحات بعيدة المدى، وعندما تختل موازين السياسة الخارجية لأي دولة، فإن المصاب الأول هو الاقتصاد.

هذا ما يحدث اليوم في الساحة القطرية بعد أن رضيت لنفسها المضي بعيداً عن دائرتها الطبيعية مع أشقائها في مجلس التعاون الخليجي وليس عبر المجالس الوهمية التي يذاع عنها عبر التحليلات التي تذهب بقطر للمضي بالتغريد خارج السرب الخليجي، بل حتى العربي كذلك، وقد تجر إلى الخروج حتى من أسراب أخرى.

خلال الأشهر الأربعة الماضية سحبت قطر سيولة من الصندوق السيادي الخاص بها بقرابة 40 مليار دولار من إجمالي قرابة 400 مليار دولار هي حجم الأصول.

فلو استمرت قطر على منوالها ففي فترة زمنية قصيرة من عمر أي اقتصاد صغير نسبياً مقارنة بالاقتصادات العالمية الضخمة، سيذهب هذا الاحتياطي أدراج رياح السياسات التي لم تنفعها حتى الآن.

ألا يكفيها أن المقاطعة والعزلة تهبط بنمو الاقتصاد القطري إلى مستويات متدنية، وحسب «بلومبيرج» فإن اقتصاد قطر يسجل أبطأ نمو منذ 22 عاماً، وهو يتباطأ أكثر مع تراجع قطاع النفط وتزايد تأثير عقوبات دول المقاطعة. وقد ارتفع عجز ميزان المدفوعات في قطر إلى 10 مليارات دولار، ويخشى من ذلك أن يترك النظام الشعب القطري أسيراً للفقر والديون. وخاصة أن تقارير التصفيات وبيع ممتلكات جهاز قطر السيادي، لكي تودع أموالها بأسماء الأسرة الحاكمة، بدأت تتوالى، فمنذ بداية الأزمة باعت قطر كلاً من:

- بنك «لوكسمبورج» الدولي، في بداية الشهر الجاري بقيمة 1.76 مليار دولار.

- 14.16% من أسهم جهاز قطر السيادي في شركة «روزنفت» عملاق النفط الروسي.

- عائلة حمد بن جاسم التي يقال بأنها تستعد للهرب، باعت 4.4 مليون سهم من حصة قطر في «تيفاني» للمجوهرات بنحو 415 مليون دولار، بالإضافة إلى أذونات خزانة حكومية بقيمة 275 مليون دولار.

- 5% من حصة قطر في شركة بورصة لندن مقابل 442.16 دولار لتقلص حصتها بمقدار الثلث.

فأين ذهبت أموال هذه المبيعات؟ ولماذا تبيع الأسرة الحاكمة كل هذه الأصول في هذا الوقت بالذات. وهل في ذلك مؤشرات بأن الحكومة القطرية ستخرج من سدة الحكم قريباً، أو من قطر بأسرها، هل الأمر بهذه البساطة لحدوث ذلك.

وقبل أن يقع هذا الوجع، فهذا التسويف في قراراتها المصيرية والتناقض في تصريحاتها، ليس إلا كسباً لمزيد من الوقت، قبل الهروب الأخير!

ففي استطلاع للرأي أجراه «معهد واشنطن» لعيّنة مكونة من 300 ألف شخص في قطر، يكشف معارضة معظم المستطلعين لسياسات الأسرة الحاكمة في الدوحة، بشأن التقرب من إيران ودعم تنظيم «الإخوان» الإرهابي في الدول العربية، وهي ذات التوجهات التي تعارضها الدول الداعية لمكافحة الإرهاب.

فالخروج الكبير من هذه الأزمة التي أوقدت نيرانها سياسات قطر الخارجية، يجب أن يكون عن الطريق الواضح والمؤدي إلى بوابة البيت الخليجي، فالبوابات الأخرى المتفرقة التي تزيد أزمتها الاقتصادية والسياسية ليست إلا اختناقاً وضيقاً في قفصها ولحمتها الداخلية.

إن الاستهانة بالمقاطعة وبالقرارات الصادرة عن الدول الأربع بمجرد الزعم أنها امتصت الصدمة وتحملت الضربة الأولى، والإعلان عن راية «الانتصار على الحصار» لن يوصلها إلى أهدافها، وهي ليست في مأمن من زلازل الإرهاب التي تودي بمقدراتها الباقية لدفع فاتورة الوهم والاستغراق في الخيال.