محمد حسين أبوالحس 

 تُرى ما العلاقة بين اللاعب نيمار والقرضاوى والجولانى زعيم جبهة النصرة ومحلات هارودز بلندن؟.. الإجابة: إنها قطر، أو بمعنى أدق أموالها الطائلة، الدوحة اقتصاد يمارس السياسة، لا ترى شيئا بأيدى الآخرين، إلا سارعت لسلبه، «عقدة قطر»، جعلتها «قزما بشهية غول»، على حد وصف الفرنسيين كريستيان ومالبرونو فى كتابهما: «قطر، أسرار الخزينة».. المحزن أن «المتلازمة» استفحلت بسبب موقف بسيط، أن ضباط الجمارك البريطانيين كانوا يسألون الشيخ حمد أمير قطر السابق، فى أثناء دراسته فى كلية «سانت هيرست»: أين تقع قطر على الخريطة؟.. أصرّ الأمير على منح قطر هوية، ووجودا ملحوظا على خارطة العالم، مهما يكن الثمن، فلا شيء يستعصى على المال..!

من حق الحاكم أن يحلم، لكن الحلم قد يصير «كابوسا»، يتخطى الحدود ويمارس ألاعيبه على أراضى الآخرين، متدثرا بالأوهام ومتشحا بالخراب. أينما تحل قطر تمطر السماء ذهبا على المخربين والإرهابيين وأبناء الأوطان «الطالحين».

ترى الدوحة المال أهم وأقوى من أى قانون أو قواعد أخلاقية، فضائحها بالجملة، اشترت سياسيين وقادة وكيانات اقتصادية عملاقة بدول أوروبية وأفريقية، لحرف قرارها السياسي، فرنسا - ساركوزى نموذجا. تخوض حروبا قذرة، انتقلت من تجنيس اللاعبين، إلى شراء الذمم، فى تنظيم مونديال 2022، وقيادة اليونسكو، دشنت «الجزيرة» منبرا إعلاميا، لخدمة سياسات تخريبية. احتضنت جماعات الإرهاب: الإخوان، طالبان، القاعدة، النصرة، الجماعة الليبية المقاتلة..إلخ، أمدتهم بالمال والسلاح، سكاكين قتل وتمزيق فى النسيج الاجتماعى العربي، تتبخر على أيديهم الأوطان، خدمة للمخططات الإسرائيلية - الغربية.

طموح الدوحة لم يتوقف عند أدوات القوة الناعمة: مال وإعلام ودبلوماسية، الحلم القديم يغازل روحها المعذبة بالأوهام، تحتاج إلى قوة أكبر وصوت أعلي، لتثبت للصديق قبل العدو، أن لها مخالب وأنيابا ونفوذا لايقل عن «كبار المنطقة» بل يزيد ويسبق، تحولت من المهادنة إلى المبادأة، من الدفاع إلى الهجوم، استخدمت كل أسلحتها وأخطرها المال والإعلام، فى تعطيل الاقتصاد وتخريب الحياة السياسية، من جيرانها الخليجيين إلى مصر، اضطرت القاهرة والرياض وأبوظبى والمنامة إلى قطع العلاقات مع الدوحة وفرض المقاطعة عليها.

خلال السنوات الخمس الماضية، أحلت أموالها وسلاحها بمساعدة - إسرائيل وتركيا وغيرهما - دمارا هائلا، فى سوريا وليبيا واليمن والعراق: 14 مليون لاجئ، 8 ملايين نازح، و1.4 مليون قتيل وجريح.. لفهم هذا الوضع القطرى (عربيا) يمكنك تصور حجرة بها مائة شخص، أحدهم يحمل سلاحا والباقون عزل فمن الأخطر؟ بالطبع من يحمل السلاح، لقدرته على تحويل حياة الباقين إلى جحيم.. قد تقول ليّ: إن قطر تملك المال والآخرون كذلك، أقول لك: نعم.. لكن المال القطرى تحكمه إرادة تخريب وتدمير، ومحاولاتها لا تنتهى لزعزعة الأمن والاستقرار الإقليمي.

آخر ضربات «الشيطان المالى القطري» وجهت إلى قلب لبنان، لتفتح جبهة جديدة فى صراعها مع الرباعى العربي، عبر عدة آليات ومحاور، بدءا من سعى شخصيات بارزة من الأسرة الحاكمة القطرية لشراء سلسلة عقارات وممتلكات ضخمة بمنطقة عالية، الأمر الذى كان السماح به، بندا مدرجا على اجتماع مجلس الوزراء اللبناني، الجمعة قبل الماضي. نواب لبنانيون انتابهم القلق من خطوات الدوحة، خوفا من أن تكون «ضربة البداية» لتدفق الأموال القطرية على بيروت، بكل ما يجره من شرور وفتن ومهالك، فى ظل مقاطعة الدول الأربع، وتصنيفها دولة راعية للإرهاب.

القلق اللبنانى يتفاقم، بعد تسرب أنباء عن محاولات قطر بناء «منصة إعلامية» فى بيروت، بديلة عن «الجزيرة» التى فقدت تأثيرها بعدما سقطت فى وحل «اللامصداقية» والتحريض على العنف. بمعنى أنها تصنع «جزيرة» أخري، تحت اسم آخر، على أرض لبنان، أبرز تلك الأذرع الإعلامية «قناة الجديد» التى نقلت وحدها، دون باقى القنوات اللبنانية، خطاب تميم أمير قطر، فى الأمم المتحدة، كاملا وعلى الهواء مباشرة، بالإضافة إلى قناة العربي، ويديرها الإعلامى اللبنانى عباس ناصر - المنقول بأمر مهمة من الجزيرة - وتبث من لندن، نظريا، لكن معظم برامجها من استديوهات فى بيروت، أيضا صحف ومواقع إلكترونية، مثل «المدن».. تستفيد قطر فى ذلك، من علاقاتها المتميزة مع إيران ذات النفوذ الكبير بالساحة اللبنانية.

ويخشى مسئولون ونخب لبنانيون أن يسقط وطنهم المثقل بالأعباء والمشكلات، فى أتون الحرب الباردة العربية - القطرية المشتعلة، لا ناقة لهم فيها ولا جمل، خاصة أن قطر تكسر كل القواعد ولا تعرف اللعب النظيف، خلال بحثها عن موقع على الخريطة العالمية.