سكينة فؤاد

كان المصريون على موعد مع الفرحة والزهو والفخر خلال شهر أكتوبر ابتداء من ذكرى انتصارهم العظيم فى عام 73، والذى احتفت به الندوة التثقيفية السادسة والعشرون لقواتنا المسلحة احتفاء يليق بالإنجاز الوطنى العظيم، وأبرز الوجه الإنسانى والأخلاقى لمقاتلينا التى تجلت فى كلمات السيدة منار سليم زوجة الشهيد البطل أحمد المنسى والحكاية المدهشة للجنديين الصغيرين اللذين لم يفكرا للحظة فى حياتهما عندما قررا فى سرعة مدهشة دهس سيارة الإرهابيين المفخخة بالدبابة التى يقودها واحد منهما... ولأبناء النوبة عندى محبة وتقدير خاص وأراهم من أجمل وأكمل المصريين خَلقا وخُلقا.. وللأسف اننى على قدر ما قرأت عن وقائع وتفاصيل الأداء العبقرى للمقاتلين لم أتعرف من قبل على قصة الشفرة النوبية التى أنهى بها ابن النوبة المقاتل أحمد إدريس تجسس العدو الصهيونى على الشفرة المصرية، أحسست بأننى فزت معهم بوسام النجمة العسكرية وأنها تكريم لجميع أبناء النوبة على انتمائهم الأصيل لبلدهم وصبرهم وتضحياتهم، وأتمنى أن يستكمل ويتوج التكريم بحل مشكلاتهم ونيل استحقاقاتهم الدستورية فى قراهم القديمة ورفع كثير من الظلم الذى وقع عليهم.

> توالت فى شهر أكتوبر فرحة النصر الرياضى بوصول مصر بعد غياب طويل إلى المونديال، ولحق بها تدشين الرئيس العاصمة الإدارية بعد أن تحولت إلى حقيقة على الأرض فى إنجاز هندسى يعيد التذكير باننا أمة احترفت البناء وفنون العمارة منذ فجر التاريخ، وأرجو أن تكذب ثمار وعوائد بناء هذه العاصمة قلقى وشكوكى فى مدى أهميتها وضرورتها فى هذا التوقيت بالغ الخطورة من تاريخنا وظروفنا الاقتصادية التى حملت الملايين أعباء بالغة القسوة، دون سند أو دعم من سياسات حكومية تخفف آثارها عن الأكثر ألما وعوزا، بل من أبناء الطبقة الوسطى الذين لم تقل ظروفهم صعوبة وقسوة ـ وكنت أرى أن أولويات حل مشكلة الاختناق السكانى فى العاصمة التاريخية العظيمة فى بعث الحياة وأسبابها فى ريفنا وقرانا والصعيد، وبما ينهى كارثة تحولهم إلى مناطق طاردة وليست حاضنة للحياة وموفرة لأسبابها، ودون اختلاف مع ضرورة توفير جميع عوامل الحداثة والتطوير فى العاصمة ومدننا الكبرى والمدن الجديدة حتى لا تتسع الفوارق والمسافات الإنسانية والحضارية بين المدن والسكان.. وإيقاف ما ارتكتبه القيادات والإدارات المحلية من جرائم تدمير وتشويه وتغيير لمعالم أغلب المحافظات والمدن الكبري.. أيضا لفتنى فى بعض ما أنجز من بناء فى العاصمة الإدارية مبالغات فى الفخامة وكأننا نستوحى قصورنا القديمة التى قام التتار الجدد بهدم أكثرها!!

> وسط هذه الأيام الاستثنائية فى حياتنا والتى ملأت المصريين بالزهو وبفرحة حقيقية فهم يعشقون الفرحة وكل ما يرفع اسم بلادهم.. ولكن من اعتدناهم من سارقى الفرح والأمل والاطمئنان ولصوص ومحتكرى ثروات مصر والمتاجرين بآلام أبنائها هل هدأوا أو اكتفوا بما استغلوا ونهبوا واحتكروا أو راعوا ضميرا أو وطنا أو ظروف ومعاناة الملايين؟! بالطبع لا.. فى السوق التجارية الضخمة التى يطلق عليها سوبر ماركت، باعتبار اللغة العربية لا تليق. وجدت العاملين فيها ـ الثلاثاء الماضى يرفعون بطاقات الأسعار من فوق جميع السلع بلا استثناء، وبالسؤال تبين أنه جاءتهم تعليمات برفع الأسعار.. قبلها كان نفس الأمر يحدث فى أسعار الدواء!! المدهش أنه فى نفس التوقيت ـ يوم الثلاثاء بالتحديد ـ شكا رئيس البرلمان وأعضاؤه من الحكومة المسترخية!! ولا أعرف من المطلوب منه إصدار القوانين التى تحمى الشعب ومن يحاسب الحكومة إذا استرخت ولم تحترم من يمثلون الشعب؟! ثم هل أدرك المجلس ورئيسه الآن فقط ما يتعرض له المواطن من استغلال واحتكارات؟!! والسؤال ماذا هم فاعلون بعد الاتهامات الخطيرة التى تدين وزارة الصحة وتتهمها بالاحتكار وبالإضرار بالمواطن؟! ووفق المنشور فى الأهرام ـ الأربعاء 11/10، أن د. على عبد العال وجه للحكومة انتقادات حول مشكلة صناديق تسجيل الأدوية وأن هذه الصناديق تكرس فكرة الاحتكار!! وتنشر المصرى اليوم أيضا الأربعاء 11/10 أن النائب محمد السويدى شن هجوما حادا على وزارة الصحة فى بيان عاجل طالب فيه بإلغاء نظام «صناديق الأدوية» الذى تتبعه الوزارة وإعطاء الفرصة لشركات الأدوية الأخرى لإنتاج الأدوية البديلة بأسعار مختلفة، مشيرا إلى أن نظام «البوكس» جعل شركتين أو ثلاثا فقط تحتكر صناعة أغلب الدواء فى مصر، وصنعت احتكارا لهم ولأسعار هذه الأدوية رغم أن نحو 51 شركة أدوية جديدة دخلت السوق أخيرا ولا تجد دواء تنتجه، وأشار النائب إلى أن البرلمان سبق واقترح إلغاء هذا النظام، ووعدت وزارة الصحة بالأخذ باقتراح المجلس وعند عرضه على رئيس الجمهورية وافق على الفور إلا أن هناك مسئولين داخل الوزارة يرون عكس ذلك، ولم ينفذوا الاقتراح، وأشار النائب إلى قرار رئيس الجمهورية بإنشاء هيئة سلامة الدواء مثل باقى دول العالم إلا أن مسئولى الصحة لم ينفذوا القرار أيضا، وطالب النائب لجان الصحة والتجارة والخطة والموازنة بالشروع فى انشاء هذه الهيئة برئاسة رئيس الجمهورية إذا كانت وزارة الصحة لم تنظر إليه!!! إذن الاحتكار والإضرار بالمواطن يمارسه بعض مسئولى الحكومة وليس فقط مافيا من خارجها، حتى توجيهات رئيس الجمهورية التى تخفف عن المواطن لم يستجيبوا لها!!

مرة أخرى إذا كانت الإدانة تأتى من مجلس النواب، فمسئوليته من المسارعة بالتشريعات التى تحمى المواطن وتحاسب مسئولين حولوا المناصب والنفوذ إلى مافيا احتكار واستغلال للمواطنين؟! ومن يوقف موجات رفع الأسعار المتواصلة حتى الآن؟! ويفرض احترام الصمود البطولى للملايين الذين لم تمنعهم الظروف بالغة الصعوبة التى فرضتها عليهم الأزمات والتحديات التى تمر بها بلدهم أن يفرحوا من أعماق قلوبهم ويحتفلوا بأفراحها وانتصاراتها احتفالات أسطورية لا يفعلها وسط ظروفهم إلا من يعشق أرضه وينتمى لها انتماء أصيلا.