ياسر الغسلان

تواجد العرب في الحقول الأكاديمية أو التجارية أو الإعلامية الأميركية ما زال متواضعا بالمقارنة مع اليهود الأميركان

يحكى كثيرا عن ضعف التأثير العربي في أروقة القرار الأميركي وقوة جماعات الضغط المعادية لهم على الطرف الآخر، فيما يعزو فكرنا الجمعي ذلك إلى نظريات المؤامرة وتفسيرات تعتمد كثيرا على أسس لا يقبلها المنطق السياسي أو الممارسة الواقعية له، ففي حين يقال بأن هناك شيطانا خفيا يعمل على طمس تراثنا العظيم من النهوض مجددا، وفي حين آخر يقال إن اتفاقيات تاريخية هي سبب تشتتنا وضياع هيبتنا وتأثيرنا!
من أجل أن نصبح مؤثرين علينا أن نفهم أولا لماذا فشلنا وما زلنا نفشل، ثم نفهم واقع هذه الأروقة، وكيف تعمل ومن ثم ندرس كيف نجح غيرنا، أما لماذا فشل العرب ومعهم العرب الأميركان في التأثير في السياسة الأميركية فيمكن تلخيص ذلك بأنه لكونهم أقلية غير منظمة، ولا يتمتعون بالثراء أو الفاعلية السياسية، كما أن تواجد العرب في الحقول الأكاديمية أو التجارية أو الإعلامية ما زال متواضعا بالمقارنة مع اليهود الأميركان مثلا، كما أنهم أقل ظهورا في المسرح السياسي، إما لانطوائهم الثقافي أو لعدم ثقتهم بمدى قدرتهم على الاندماج الكامل مع المجتمع الأميركي، ويذكر في هذا السياق مقولة للرئيس الأميركي «هاري ترومان» عن الصوت العربي في التأثير السياسي حين قال «في كل مسيرتي السياسية لا أذكر أن الصوت العربي تمكن من التأثير على أي تصويت».
واقع العملية التأثيرية في السياسة الأميركية ليست مبنية على تأسيس مكاتب تمثيلية أو تواجد إلكتروني أو مواد إعلامية دعائية، بل مبنية على قدرة الفهم والتعامل بحرفية واستراتيجية مدروسة ومتفق عليها من ذوي الاختصاص والدراية على كيفية التعامل والولوج لدهاليز نظام مقسّم القوى، وإرث راسخ من حرية التعبير، ونظام انتخابي مكلف ماليا ومراقب قانونيا.
هذا النظام المعقد من التوازنات يعطي جماعات الضغط (اللوبي) مساحة للمناورة والعمل من أجل دعم مرشح أو محاربته أو الدفع نحو سياسة معينة أو العمل على إجهاضها، كما أن جماعات الضغط تستطيع من خلال هذا النظام الترويج للمرشحين المتعاطفين مع وجهة نظرهم في الجناح التنفيذي للحكومة، أو الدفع بمرشحيهم للوصول إلى كرسي اتخاذ القرار، إلى جانب ذلك تعمل هذه الجماعات من خلال الاستفادة من الصحفيين والكتاب والفنانين الموالين لتوجهاتهم، والاستعانة بهم في لعبة الانتخابات بتوجيه الجهور بتبني مواقفهم في قضية ما أو مرشح أو سياسة أو قانون تشريعي.
من أهم ملامح جماعات الضغط المؤثرة والناجحة في أميركا هي تلك التي ينظر لأعضائها الكثر وذوي الخلفيات المختلفة باعتبارهم ناجحين في أعمالهم، أو مشاركين بإيجابية في المجتمع، إما من خلال التبرعات السخية أو المشاركة المجتمعية في أعمال الخير المختلفة من بناء مستشفيات أو دعم جامعات أو منظمات حقوقية ودستورية، إلى جانب دعمهم السياسي للأحزاب السياسية والقضايا الأكثر ملامسه لهموم المواطن والمبادئ التي يؤمن بها، بالإضافة إلى متانة علاقة أعضاء تلك الجماعات الشخصية مع النواب والتنفيذيين والتي تكونت من خلال مصالح مشتركة تم بناؤها عبر سنوات من العمل المشترك المعتمد على المرونة والتفاوض الذكي، إضافة ربما إلى بعض الابتزاز والتهديد.
هناك فهم خاطئ لدينا في التعاطي السياسي مع أميركا من أن القرارات والسياسيات تبنى من أعلى الهرم، بينما الواقع هو أن جماعات الضغط التي نجحت وتنجح باستمرار في تمرير أجندتها ورغباتها هي تلك التي تكون لها قاعدة صلبة من المؤدين من الموظفين التنفيذيين في مكاتب أعضاء مجلس النواب أو الوزارات التنفيذية المختلفة، والذين تكمن مهمتهم الأساسية في صياغة النسخ الأولية لأي تشريع أو قرار قبل طرحه للمداولة، وبالتالي فهم من يضع اللبنة التي يتبناها المشرع وفق توصية فريقه، وسيعمل لاحقا على الدفاع عنها وترويجها والدفع نحو تبنيها، لذلك فالتأثير يبدأ بتوسيع قاعدة الموالين في صفوف هؤلاء الذين سيصبح العديد منهم في يوم ما متخذي قرار في قطاعات الحكومة أو المجالس المنتخبة المختلفة.