خليل علي حيدر

 هذه مئة سيرة وتفاصيل حياة، أهم ما يتصف به الكثير منها، كونها ملوثة بدماء الأبرياء وبأحزان الأيتام والثكالى، وبالرعب والخراب والدمار المتوالي في بلدان العالم! إنها مئة سيرة، غير عطرة في الغالب ودون شك، إذ إنها «سيرة حياة مئة متطرف من الشرق الأوسط وأفريقيا»!، وضعت الدراسة بالإنجليزية مجموعة من الباحثين، وترجمتها للعربية «شريهان سعد»، وطبع الكتاب في مصر.

تنتمي أغلب العينة إلى «السلفية الجهادية»، ولكل فرد في العينة، كما تقول «الشرق الأوسط»: «منصب بارز في جماعة متطرفة، إما كصانع أيديولوجيات أو تنفيذي بكفاءة عالية، ويمكن أن يشمل ذلك أيضاً من يقدمون الدعم اللوجيستي في الجماعة».

والاختيار بين هذه السير التي تقطر ألماً ودماً، لم يكن عشوائياً، إذ تم التركيز على الأعضاء البارزين فقط وبخاصة القيادات وأصحاب المكانة والهالة!

والتراجم بمثابة رحلة تشريحية في حياة قيادات الإرهاب ومفكريه، وفي «عطاء» المتفننين في صناعة الموت وإنزال الكوارث بالأبرياء، ممن فعلوا في النهاية ما فعلوا بسمعة العرب ومصالح المسلمين، بل وبحياة سائر البشرية المعاصرة.

الباحثون، تقول الصحيفة، نبشوا مختلف مصادر المعلومات المطبوعة والإلكترونية، وشملت المعلومات حول هؤلاء تفاصيل دقيقة: «ومنها: الاسم الحقيقي والاسم الحركي، التواريخ المهمة بحياة المتطرف، محل الميلاد ويشمل البلدة أو المدينة أو القرية، الجماعات أو الشبكات المتطرفة التي انضم إليها، المناصب التي تولاها في جميع الشبكات والجماعات، آخر جماعة أو منصب، الخلفية العائلية وتشمل أي معلومات عن الوالدين والوضع الاقتصادي والاجتماعي، التعليم، التنشئة الدينية وتشمل أي معلومات ذات صلة بمستوى المعرفة الدينية، المؤثرات البارزة بفترة الطفولة والمراهقة، وقد تشمل الأحداث المهمة في حياته والأشخاص المؤثرين والأدب الذي تأثر به. والسفريات الدولية وتشمل أيضاً المعلومات عن وجهات معينة ورصد أي معلومة عن أشخاص من الممكن أن يكون قابلهم خلال السفريات، أو من المعارف المشهورين أو الحلفاء المعروفين. والسجل الإجرامي.. ومسارح العمليات والصراعات التي شارك فيها مباشرة، الأحداث المهمة في حياته مثل وفاة أحد أفراد الأسرة أو بداية الحرب الأهلية في الوطن، والتصريحات المهمة، بما في ذلك الفتاوى ذات الصلة».

تحدث «ديفيد تومسون» من جانب آخر في صحيفة «الحياة»، قبل أكثر من عام، عن «سيرة الداعشيين الفرنسيين»، ومراحل تطورهم وتورطهم في النشاط الإرهابي.. فماذا وجد؟

تبين له أنه «على خلاف الشائع ليست غالبيتهم من المهمشين. فعدد كبير منهم كان مندمجاً في الحياة العملية وأسس أسرة وحصل على راتب مجزٍ أعلى من المتوسط الوطني، قبل أن يترك كل شيء لدوافع دينية أو سياسية».

وتحدث «تومسون» كذلك عن فتاة كانت كاثوليكية تواظب على الشعائر الدينية، إلى أن اعتنقت الإسلام إثر وقوعها على ترجمة لمعاني القرآن الكريم في إحدى المكتبات.

والجامع بين الفرنسيين «الجهاديين» اعتبارهم حياتهم السابقة «جاهلية»، حيث كان الكثير منهم من العاملين في مجال الموسيقا وأغاني «الراب»، وإن كان آخرون أيضاً من العاملين في مجالات مختلفة أو يعيشون حياة عائلية مستقرة. وأكثر المتحولين إلى الإسلام ينحدرون من أسر تمارس بعض الشعائر، وبعضهم من أسر يهودية وحتى من اليمين المتطرف. وبعضهم انتقل من «العنف الدنيوي» إلى «العنف الديني»، وبعض هؤلاء أسرّ إلى الباحث معترفاً بأنه «يشعر بالمتعة حين قتل الناس». وهكذا أضفت «الجهادية» مشروعية على عنفه، وسوّغت نزوله على نزعاته القاتلة.

ومما قاله الباحث الصحفي «تومسون» إن أحدهم روى له «أن الملل حمله على نشر فيديوهات جهادية على صفحته الفيسبوكية، فانهالت عليه اللايكس» -أي علامة الإعجاب- فشعر بأنه مهم، ثم غادر إلى سوريا، ونشر من هناك صوره وهو يحمل كلاشينكوف، فتلقى عشرات دعوات الزواج يومياً، في وقت لم تكن في متناوله في فرنسا إقامة علاقات حميمة».

ومما ينفيه الباحث الصورة المتداولة عن «الجهاديات»، والتي مفادها أنهن خاضعات ومطيعات لأزواجهن من غير مبادرة، و«لكنني لاحظت خلاف ذلك. ففي بعض الأزواج، النساء هن أول من تطرف وحملن الزوج على اللحاق بهن، وبعضهن يؤيدن الهجمات الانتحارية أكثر من أزواجهن، ويقول عدد منهن إن النقاب تحرّرٌ، فهن يرفضن نموذج المجتمع الفرنسي ونموذج المرأة المعاصرة».

ويجاهر شطر راجح من «الجهاديين» بضرورة مقاتلة الديمقراطية والنموذج الفرنسي الذي يصفونه بـ«المعادي للإسلام»، بل يكفّر هؤلاء الإسلام الفرنسي ويسعون إلى إطاحته، ومن يقصد الجامع للصلاة نهار الجمعة يسد أذنيه أو يصلي في منزله مخافة الاختلاط بـ«الكفار»، وتدعو مواعظهم إلى القضاء على المسلمين الفرنسيين!

هذا في «الكتالوج» عن جماعات «السلفية الجهادية» وإرهابييها، ممن لا يخفون تشددهم وعنفهم.. وماذا عن كوادر وقيادات ومنظري بعض الجماعات الأخرى الذين «يبرزون».. اعتدالهم؟ ما العمل مع هؤلاء.. وأولئك؟