هادي اليامي 

من المفارقات أن الدول الكبرى رفضت الاتهامات التي وجهها التقرير المفبرك للتحالف العربي، الذي لم ينشأ في الأصل إلا نتيجة لإخفاق الأمم المتحدة في التصدي لتجاوزات طرفي الانقلاب، بتحريض مباشر من إيران

فشل وراء فشل وإخفاق تلو الآخر، هكذا استمرت مسيرة الأمم المتحدة خلال الفترة الماضية، للدرجة التي فقدت فيها مصداقيتها، وعجزت عن اكتساب ثقة دول العالم، وأصبحت غير قادرة على جذب الاهتمام لبياناتها وتقاريرها التي باتت تصدر، دون أن يكلف أحد نفسه عناء متابعتها أو إيلائها التقدير المطلوب بمؤسسة كان يفترض أن تكون القائد الحقيقي للعالم، لأنها تضم كافة دول العالم في عضويتها، إلا أنها تحولت إلى وسيلة يستخدمها أصحاب الأهواء، وسلم يصعدون عليه لتحقيق أهدافهم.
وإذا كانت سقطات الأمم المتحدة اقتصرت على الفشل والإخفاق، ربما كان من الممكن تفهّم الأمر، وإرجاعه إلى طبيعة النظام العالمي الراهن، الذي يقوم على التكتلات والتحالفات بين الدول الكبرى، على أساس المصالح والمنافع، رغم أن ذلك واقع مرفوض كان يفترض بها تغييره وحماية حقوق ومصالح بقية الدول، وهو الهدف الذي من أجله أنشئت وقامت، لكن المؤسف هو أن المنظمة الدولية سقطت في بئر التواطؤ والتآمر، وصارت شريكا أساسيا في كثير من المشكلات، وسببا لاستمرار الأزمات في العالم، وعنصرا يشجع على تأجيجها، بدلا من أن تلعب دورها المرجو في إيجاد الحلول والتوصل إلى التسويات السلمية.
وليت الأمر توقف عند هذا الحد، بل بلغ الاستهتار بهذه المنظمة وعدم الاكتراث لها مرحلة أن يوكل بعض مسؤوليها لعناصر الانقلاب الحوثي مسؤولية صياغة تقارير حقوقية، ينبغي أن يتوفر فيها الحياد والمصداقية والشفافية. نعم، حدث هذا في المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة في اليمن، والتي يمثلها جورج أبو الزلف، اللبناني المعروف بقربه من جماعة الحوثيين، بسبب موالاته لحزب الله، حيث كشفت الحكومة الشرعية في بيان رسمي أوائل العام الجاري أنه أشرف على تدريب عناصر تابعة للجماعة الانقلابية على كيفية كتابة التقارير، وتحليل البيانات والمعلومات، قبل أن يستعين بهم في المفوضية، ووصل حجم الاستخفاف واللامبالاة إلى أن أصدرت المفوضية تقريرا رسميا مذيلا بتوقيع أبو الزلف، في الوقت الذي كان فيه الأخير في مهمة عمل بمقر المفوضية في جنيف، وعندما تحركت الحكومة وقدمت احتجاجا رسميا على ذلك التقرير، مسنودا بالأدلة والبراهين، لم تجد المنظمة الحقوقية بدا من الاعتراف ببيان رسمي، مشيرة إلى أنها وجَّهت بفتح تحقيق رسمي في الأمر لمعرفة كيفية صدور التقرير في ظل غياب المفوض، وهو التحقيق الذي لم تعرف نتائجه حتى الآن.
وليس أبو الزلف هو المسؤول الدولي الوحيد المتخاذل في اليمن، فعلى ذات الطريق سار رفيقه منسق الشؤون الإنسانية، جيمي ماكغولدريك، الذي يرفض التواصل مع الحكومة الشرعية في عدن، ويتخذ من صنعاء الخاضعة لسلطة الانقلابيين مقرا له، ويحصر عملية استقاء المعلومات على جمعيات تابعة لهم، مما وضع مصداقيته ومصداقية تقاريره التي يرفعها إلى المنظمة في موقع الشبهات، وجردها من أي قيمة فعلية، بعد أن أصبح ألعوبة
في أيدي الانقلابيين الذين يتحكمون في تحركاته، حيث لا يستطيع السفر أو التنقل إلا بعد الحصول على تصريح مكتوب منهم، فخضع لهم، واعتاد قلب الحقائق وتزييف الوقائع والتعتيم على معاناة اليمنيين في المناطق التي يحاصرونها.
ونتيجة لذلك استمرأ الانقلابيون الاستخفاف بممثلي الأمم المتحدة، وباتوا يتحكمون في تحركاتهم وتوجهاتهم، ووصل بهم الأمر حد منع وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية، ستيفن أوبراين، من دخول تعز، في فبراير الماضي، بعد محاصرة موكبه من قبل الحوثيين، وإرغامه على العودة من حيث أتى، كما أطلقوا النار على موكب المبعوث الدولي إسماعيل ولد الشيخ لإيهام العالم بأن في صنعاء قوات غيرهم ترتكب أشنع الأفعال ضد المدنيين.
ولم تقتصر سقطات الأمم المتحدة ومنظماتها وهيئاتها المتهالكة على هذه التجاوزات الخطيرة، حيث أصدرت 
مؤخرا تقريرا يعج بالتناقضات والفشل، ساوت فيه بين الحكومة الشرعية التي تحظى باعتراف المجتمع الدولي بأسره، بوصفها سلطة جاءت وفق انتخابات نزيهة وشفافة، بجماعة انقلابية اغتصبت الشرعية، واستولت على الحكم بشريعة الغاب وسلطة القوة، كما تبنت أكاذيب ومعلومات غير حقيقية عن التحالف العربي لدعم الشرعية، ووجَّهت له اتهامات باطلة بتعمد استهداف المدنيين.
ومن المفارقات أن الدول الكبرى رفضت الاتهامات التي وجهها التقرير المفبرك للتحالف العربي، الذي لم ينشأ في الأصل إلا نتيجة لإخفاق الأمم المتحدة في التصدي لتجاوزات طرفي الانقلاب، بتحريض مباشر من إيران، حيث انقلبوا على الشرعية، وارتكبوا انتهاكات أساسية للمواثيق الدولية، منها على سبيل المثال قتل المدنيين، وتجنيد الأطفال، وحصار المدن، وقتل سكانها بالتجويع، واستهداف دول الجوار بالصواريخ والمقذوفات. ويعود ذلك الفشل إلى أيام المبعوث الأممي جمال بنعمر، الذي تسبب بتخاذله وضعفه في التمهيد لعملية اجتياح صنعاء، والاستيلاء على الحكم عن طريق القوة. ولم ينشأ التحالف العربي ولم تتدخل دوله في النزاع إلا تلبية لطلب رسمي من الحكومة الشرعية التي يعترف بها المجتمع الدولي.
وبدلا من تثمين دور التحالف، على قيامه بالدور الذي يفترض بالأمم المتحدة القيام به، وتوفير الدعم العسكري والسياسي له، لم تجد المنظمة الدولية سوى استهدافه، وتوجيه الاتهامات الباطلة له، ومحاولة عرقلة عملياته، رغم أن مجلس الأمن الدولي التابع لها أقر بصورة رسمية في القرار رقم 2216 بأن عمليات التحالف موافقة لمتطلبات القانون الدولي، وتتماشى مع اشتراطاته، بل وأوكل له مهمة مراقبة الحدود البرية والبحرية والجوية لليمن، واشترط على الطائرات والسفن الراغبة في دخول الحدود اليمنية الخضوع إلى عمليات تفتيش منتظمة للتحقق من حمولاتها، كما أقر جملة من التدابير والعقوبات الموجهة نحو طرفي الانقلاب، وهدد باللجوء إلى البند السابع الذي يخول له استخدام القوة لتنفيذ القرار. ورغم وضوح القرار الذي صدر بالإجماع، إلا أن المنظمة الدولية عجزت عن فرض تنفيذه، ولم تجد القدرة أو الجرأة لإرغام المتمردين على تنفيذه.
وفي ظل التردي الحاصل في الأمم المتحدة، لا يبدو أن هناك من سبيل أمام التحالف العربي والحكومة الشرعية سوى تكثيف العمليات العسكرية، لتسريع استعادة اليمن، وعدم الالتفات إلى تقارير الأمم المتحدة، التي تتزامن في معظمها مع أي تقدم على الأرض تحرزه القوات الموالية للشرعية، حيث تستخدمها كأوراق ضغط لوقف العمليات، ريثما يلتقط الانقلابيون أنفاسهم، ويعيدون ترتيب أوراقهم.