بكر عويضة

قيل منذ القرون الأولى ما مضمونه أن الخير يولد، أحياناً، من رماد أتون الشر، على غير رغبةٍ ممن أشعل حرائق دمار أُريد لها أن تأتي نيران سعيرها على كل خيرٍ. مثلما يدرك أولو ألبابٍ كثر، وراسخون في علوم ما تضم بطون تاريخ الأمم والحضارات، حصل هذا مع أمم عدة استطاع التحكّم في مسارها، فتراتٍ من الزمن عصيبة، أدعياءُ ورعٍ زائف، وأولياء تنطع أسرفوا في إفساد أنفسهم إذ ضلوا عن سواء السبيل، بغرض التمكين لما أقنعوا ذاتهم به، فما همّهم إذا شاع في الأرض فساد فتاوى باسم الشرع، أو عمّ التضييق على الأنفس بزعم التشدد في تقوى خالق للناس لم يكلف نفسَ ما خَلق إلا وسعها، ومن ثَمّ ما تورعوا عن ضلال الادعاء أن تطرف فكرهم هو تطبيق لما أتى به أنبياء ورسل ما أُرسِلوا إلا رحمة للبشر أجمعين.

واقع المسلمين اليوم يقول إن أسباب ما لحق بالإسلام من أذى وشر خلال خواتيم القرن السابق، ومطالع الحالي، تتنوع مكاناً وزماناً، إنما يبرز في صدارتها الإساءة إلى محمد، الرسول الأمين وخاتم النبيين، صلى الله عليه وآله وسلم، من قِبل بعض المنتسبين لهذا الدين الحنيف، عبر تقويل النبي ما لم يقل، أو تفسير المُوثّق مما قال تفسيراً يماشي هوى سياسياً، أو أن تُنسَب إليه سنة لم يسّنها، أيضاً من منطلق تغليب الهوى الشخصي أو الحزبي، العِرقي أو الطائفي، على المتفق عليه بين أغلب مراجع العالم الإسلامي. في هذا السياق، لعل أسوأ إيذاء للرسول المُبين خلال سنوات فِتن التطرف تمثل في كل ادعاء باطلٍ برر منهج تكفير أناس وإخراجهم من الملّة، بل لقد أوغل ذلك البعض في إيذاء الرسول باستنطاق أحاديث شريفة له على غير ما قُصد منها، ولغرض استحلال دماء عبادٍ مسلمين في ديارهم، وأحياناً تحت قباب مساجدهم، وأثناء صلواتهم، تمهيداً لإحلال الدمار في البلاد كافة. حصل هذا على مرأى ومسمع من العالم أجمع، فما العجب إذا تساءل جاهلون بالإسلام: أهذا ما أتى به محمد؟

كلا، بكل تأكيد، والذي أرسل النبي بالحق، سبحانه، على ذلك شهيد: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين). واضح أن تمادي البعض في استمرار سوء استخدام الحديث النبوي الشريف بلغ حداً يوجب التصدي. في هذا الإطار، يأتي إنشاء «مجمع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود للحديث النبوي الشريف» ليشكل خطوة خير تدفع عن الإسلام شر سوء تفسير الأحاديث النبوية. هذه مهمة تستحق معاضدة كل المرجعيات الإسلامية الفاضلة في مشارق الأرض ومغاربها. إن قيام هيئة تجمع عدداً من كبار العلماء من مختلف أنحاء العالم، ويكون مقرها قرب المسجد النبوي بالمدينة المنوّرة، ومهمتها هي النهوض بمهمة التدقيق في استخدامات الأحاديث النبوية، فترفض أي تفاسير تؤذي مقاصد الأحاديث، أو تتعارض مع قيم الدين، بغرض تبرير جرائم الإرهاب، هو أمر ينصف تراث الرسول الكريم أولاً، ويبرئ الدين القيّم مما ابتلي به ثانياً، ويسهم، ثالثاً، في أن يسترد المسلمون دينهم ممن اختطفوه.
إنما، مع كل هذا الوضوح في مقاصد قرار إنشاء «مجمع الحديث النبوي الشريف»، عِوض الدعم والمساندة، تأبى أطراف واضحٌ لكل ذي بصر وبصيرة اختلافُ موقفها السياسي مع الموقف السعودي، إلا أن تُسيّس الأمر، فتسارع إلى إعطاء تفسيرها غير المستند إلى أي منطق، وتدفع الناطقين بمنهاجها عبر مواقع الإنترنت أو الفضائيات، كي يقللوا من شأن خطوة يُفترض أن يلتف حولها كل المعنيين بتنقية الإسلام مما يُنسب إليه في تبرير القتل والإرهاب.

ليس مهماً، قيل قديماً إن الغربال ليس بحاجب عين الشمس. المهم أن قرار قيام هيئة التدقيق في الأحاديث النبوية الشريفة صدر. هذا في حد ذاته يثلج صدور المعنيين بتنزيه الرسالة السماوية، والرسول الكريم، والصحابة الأجلاء، من كل ما لحق بها وبهم من أذى. إنه مجمع يستحق إجماع علماء المسلمين الأفاضل وإسهامهم في بحوثه ودراساته، مهمٌ أيضاً أن تأخذ خطى التطبيق مسارها على الطريق بتأنٍ وثبات. 
هنيئاً، إذن، لمن يسارع للإسهام والمساندة، وفي ذلك تشريف له. أما تسييس من ليس لديه سوى التشكيك، فمردود على أصحابه.