محمد العسومي 

عقد بالعاصمة أبوظبي مؤخراً منتدى الاتحاد الثاني عشر تحت عنوان «دول مجلس التعاون ومكافحة الإرهاب»، حيث تضررت بعض الاقتصادات العربية بشدة من جراء الأعمال الإرهابية المدعومة إقليمياً، بل إن بعضها دُمر بصورة كبيرة، وتحتاج عملية إعادة بنائه لسنوات طويلة ومبالغ كبيرة ستتجاوز تريليون دولار في بلدان تسودها الانقسامات الحادة والصراعات الطائفية، إذ من غير المعروف حتى الآن كيف سيتم تدبير تلك الأموال الطائلة لإعادة البناء.

المعلوم أن أجندة ما يسمى بـ«الربيع العربي» استُخدمت فيها وسائل تدمير غير عادية، سواء ما يتعلق بالقوى الناعمة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، أو التدمير المباشر باستخدام مختلف أنواع الأسلحة التي تم تزويد المنظمات الإرهابية بها من جهات عديدة. أمواج التدمير العاتية التي رافقت «الربيع» اجتاحت موانئ تونس والإسكندرية واللاذقية والحديدة وشط العرب فعاثت فيها فساداً وتدميراً بحيث تم تخريب قطاعات اقتصادية بكاملها، كما أن بعض المدن، كالموصل بالعراق والرقة بسوريا أضحت مدن أشباح لا تتوفر فيها أدنى متطلبات الحياة الأساسية. وفق أجندة «الربيع العربي» كان من المفترض أن تطال عمليات التدمير الإرهابية بعض الاقتصادات الخليجية، إلا أن وعي شعوب المنطقة واستيعابها للتطورات وحرصها على الحفاظ على استقرارها ومكاسبها أفشل هذه الأجندة لتغرق في مياه الخليج العربي.

فبعد تونس ومصر وسوريا واليمن أرسلت إيران عبر مياه الخليج أمواج التخريب لطابورها الخامس في البحرين لتمر هذه الأمواج المدمرة بقطر التي نفخت في الكير الإيراني لإشعالها، إلا أن هذه الأمواج تكسرت وخمدت على موانئ البحرين بفضل الوعي الشعبي والحكومي، وبفضل المساعدات الصادقة من كل من السعودية والإمارات اللتين حمتا اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي من عملية التدمير الإرهابية ووضعت الاقتصاد البحريني من جديد على طريق النمو والازدهار، حيث تنفذ الآن مشاريع تنموية مهمة بعشرات المليارات من الدولارات بمساعدات سخية من الإمارات والسعودية والكويت، بما فيها مطار البحرين الجديد وتوسعة مصفاة النفط لتصل طاقتها الإنتاجية إلى 350 ألف برميل يومياً بدلاً من 250 ألفاً في الوقت الحالي، وكذلك مشاريع الإسكان والبنى التحتية.

لله درك يا خليج، فقد وقفت سداً منيعاً طوال الستين عاماً الماضية أمام مختلف التطورات السلبية التي أدت إلى تخلف الاقتصادات العربية وتشتت طاقاتها وتفويت فرص تنموية مهمة، فقد توقفت عند مياه الخليج العربي الانقلابات العسكرية التي ألحقت أضراراً شديدة بالاقتصادات العربية بسبب وصول ساسة لا يفقهون شيئاً في الإدارة الاقتصادية الحديثة، مما أدى إلى هروب رؤوس الأموال والقيام بعمليات تأميم فاشلة أسندت من خلالها إدارة المنشآت المؤممة إلى أشخاص بيروقراطيين غير قادرين على إدارتها، مما أدى إلى تفشي الفساد والروتين.

في تلك الأثناء كانت الاقتصادات الخليجية تحقق تقدماً ملحوظاً، وبالأخص فيما يتعلق بإنشاء بنى تحتية راقية وبمواصفات عالمية وتطورت الخدمات التعليمية والصحية والإسكان وارتفعت معدلات المعيشة إلى مستويات عالية لتقطع دول الخليج أشواطاً كبيرة بفضل الاستقرار والأمن والإدارة الاقتصادية والتعليم ليتسع الفارق بينها وبين بقية الدول العربية التي ابتليت بالانقلابات العسكرية ومن ثم ما سمي تهكماً بـ«الربيع العربي».

بعد كل تلك السنوات والمحاولات، هل يقتنع أصحاب الأجندات الأجنبية، بما فيها الإيرانية من أن دول الخليج العربية عصية على الإرهاب والتخريب؟ أم أن المحاولات ستستمر؟ بدلاً من الاستفادة من التجربة التنموية الخليجية، خصوصاً وأن هناك دولاً نفطية أغنى من دول مجلس التعاون الخليجي، كإيران، إلا أن شعوبها تعيش في فقر مدقع ومآس مستمرة بسبب الفساد وبعثرة الثروات على تمويل الإرهاب والإنفاق على معدات عسكرية بالية، وإهمال متطلبات التنمية الاقتصادية وتوفير فرص العمل وتحسين مستويات المعيشة.