سمير عطا الله

منذ يفاعي أعجبت بنموذج واحد من الرجال، في اليسار أو في الوسط أو في اليمين: الرجال الذين يحرسون آمال شعوبهم في الاستقرار والكفاية والتقدم. وقبل الأتراك، كانت العرب تسمي الوالي، أو الحاكم، «عاملاً»، فيقال عيَّن فلان عاملاً على تونس، لأن مهمته هي العمل على راحة الناس وبناء البلد. وكان الخليفة يتفقد المواطنين متخفياً، ليس لكي يعرف ماذا حفظوا من الشعر، أو كيف دارت نقاشاتهم، بل ليتأكد من أنهم سعداء في حاضرهم، ومطمئنون إلى مستقبل أولادهم.

وبالنسبة إليّ، لا يزال فؤاد شهاب أهم رئيس في تاريخ لبنان، لأنه وضع أسس الدولة وهيكلية المستقبل. ولم يلقِ في حياته سوى خطاب واحد، هو خطاب التنصيب! وقد أحببت من الإسكندر الكبير ليس غزو الهند، التي غزاها كثيرون غيره، بل أنه بنى الإسكندرية التي أصبحت مدينة العلم والعطاء.

وبالنسبة إليّ كان أهم رجال القرن الماضي لي كوان يو لأنه حوَّل سنغافورة من مستنقع إلى أهم اقتصاد في العالم، نسبياً. وقد قلدته الصين ولم تخجل باستشارته والإصغاء إليه. ولم يُلقِ لي كوان يو خطاباً جماهيرياً، ولا قاد تظاهرة: وضع خريطة عمل صعبة وطموحة وقال لمواطنيه، تعالوا ننفذها معاً.

رؤية الأمير محمد بن سلمان تقوم على قاعدة واحدة هي العمل. وإذ يبدو كل فصل فيها مفاجئاً، فلأن أهم شيء فيها هو الوقت. القيادات لا تستطيع أن تفرق بين اليوم والغد. تهتدي بما في الماضي من أضواء وتترك جانباً ما فيه من أخطاء، وتمضي قدماً في المسيرة.

وهي مسيرة شجاعة أولاً. وكل تجدد يفتقر إلى الشجاعة، لا يعرف الفرق بين الحلم والإنجاز، وها هما في رؤية محمد بن سلمان يتسابقان في حيوية فائقة: نوافذ جديدة على العالم، وانفتاحات جوهرية في الداخل، ولا شك أنها مسيرة يراقبها العالم أجمع. فالمكانة السعودية لا تنفصل عن دورها. ولا بد أن تصبح مسيرتها نموذجاً هي أيضاً.