جبريل العبيدي

«NEOM» كملة تعني المستقبل الجديد.. أطلقها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ووصف بها مشروعه الجديد بأنه «بناء شيء أعظم من سور الصين العظيم»، وهو في الواقع مشروع العرب للمستقبل الجديد، إذ سيضم استثمارات تقدر بقيمة 500 مليار دولار تضخها المملكة العربية السعودية وشركاء عرب، لبناء أول مدينة رقمية عالمية على ساحل البحر الأحمر بحلول العام 2030، من خلال رؤية تحمل حلماً كبيراً في تحقيق مستقبل واعد للأجيال القادمة، حيث أكد الأمير محمد بناء المدينة الأذكى والأضخم من الصفر، وأنها ستكون حصراً لاستثمارات الحالمين، ولا مكان فيها للاستثمارات التقليدية.

«نيوم» مشروع نهضوي حالم وكبير ليس فيه مكان للمحبطين والمتكاسلين والمتطرفين، ولا حتى الانتهازيين؛ فالـ«نيوم» مشروع سيحقق قفزة حضارية ستسهم في ردم الفجوة الاقتصادية والرقمية بين العرب والغرب، وستنقل المنطقة نحو آفاق جديدة في مجال الطاقة خاصة ومستقبل التقنيات الرقمية والحيوية والتنقل والتصنيع ومستقبل الغذاء عبر حزمة من المشروعات الضخمة التي ستضمن الدخول للسوق العالمية عبر تقاطع القارات الثلاث، حيث موقع المشروع.

الـ«نيوم» مشروع يؤكد أن للعرب رؤية حضارية، وأنهم صناع حضارة وشركاء فيها، ويقع المشروع شمال غربي المملكة العربية السعودية على ساحل البحر الأحمر الذي تمر به 10 في المائة من تجارة العالم، موقع بين ثلاث قارات؛ مما يجعله موقعاً لا ينافَس من حيث قربه من مسارات التجارة العالمية، ويشتمل على أراضٍ داخل الحدود المصرية والأردنية؛ مما يجعله مشروعاً عربياً كبيراً بقيادة سعودية شابة تحارب الفكر المتطرف، وتؤكد عزمها على تدميره، ولا سيما أن الأمير محمد بن سلمان يتبنى خطاباً دينياً معتدلاً.

الـ«نيوم» سيحقق الفطام عن النفط والانتقال من الاقتصاد الاستهلاكي عند العرب إلى الاقتصاد النفعي والاستثماري؛ ذلك الاقتصاد الذي جعلهم رقماً صغيراً جداً في مجال الاستثمار بالعالم، حيث نصيب العرب من الاستثمار العالمي واحد في المائة وفقاً لتقرير «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» والتقرير الاقتصادي العالمي، لكن مشروعاً ضخماً مثل «نيوم» سينقلهم نحو الاستثمار الأفضل والحجم الأكبر، الذي يقفز على الاستثمار الاستهلاكي في ماركات الأطعمة العالمية، التي كانت ولا تزال منتشرة في بلاد العرب انتشار النار في الهشيم دون أن تحقق أي نوع من النفع الاقتصادي سوى تهجير الأموال خارج بلاد العرب. 

فالـ«نيوم» يسهّل الانتقال نحو الاقتصاد المفتوح، ويحقق مكسباً مهماً في معادلة الإنفاق المحلي بدلاً من الخارجي؛ مما سيوفر الكثير من الأموال بالداخل، وسيسهم في تحسين الاقتصاد ونقله من حالة اقتصاد الاستهلاك المغلق إلى حالة الشراكة الصناعية، حيث وصفته صحيفة «الغارديان» البريطانية بأنه مشروع الاتجاه نحو الاقتصاد المفتوح، وهو ضمن الجهود المبذولة لأخذ المملكة بعيداً عما يشبه الاعتماد الكلي على النفط باتجاه اقتصاد متنوع يحقق الرخاء وتحسين فرص الاستثمار والعمل.

الـ«نيوم» سيكون منطقة خاصة مستثناة من الضرائب وقوانين العمل؛ ولهذا منحت السعودية أول روبوت الجنسية كمبادرة رمزية للقوانين الجديدة في منطقة «نيوم»؛ مما سيشجع المستثمرين للقدوم إليها والاستثمار فيها ويسهّل حركة التجارة، ويحقق مساحة حرة للتبادل التجاري والمعرفي، وينقل معه تقنية وحضارة كانت غائبة لسنوات عن المنطقة، ستسهم في الانتقال من الاقتصاد الريعي الاستهلاكي إلى الاقتصاد الصناعي الاستثماري المفتوح عبر تحفيز النمو والتنوع الاقتصادي.