أنمار حامد مطاوع

معظم أدعياء ثقافة العودة للماضي وأن (عودة المسلمين لحضارتهم وأمجادهم لا تتم إلا بالعودة إلى طبيعة تلك المرحلة البيئية الماضية وتكرار ذلك الزمن) كاذبون ولا يعتقدون بما يقولوه حقا.. ولكنهم يجدون من البسطاء من يصدق قولهم ويؤمن به.. فهم يستغلون الدين لإيصال تلك الثقافة.. لأهداف سياسية.

جهيمان وأتباعه كانوا من هؤلاء. فقد عاشوا في بيئة أشبه بالمدينة القديمة.. لا كهرباء ولا هواتف ولا طرق.. محاكاة للماضي بيئيا وثقافيا واجتماعيا.. وسياسيا، فاستمالوا بذلك التقشف المصطنع نفوس الجهلاء والسذج. وفي النهاية، ظهرت سوءاتهم وأهدافهم عندما احتلوا المسجد الحرام رغبة في حكم المسلمين باسم (الجماعة السلفية المحتسبة).

في عام 1979م، بدأ التشدد الديني النابع من فكر التكفير يأخذ طريقه كحل لأزمة تلك المرحلة؛ علما أن تلك الأزمة كان سببها التشدد ذاته وما يرتبط به من أساطير تنسب للدين. وعاد المجتمع عشرات السنوات للخلف. واستمر في التراجع عن ركب الحضارة والتقدم البشري بخطوات بطيئة.. حتى شدت (الصحوة) ظهرها فأصبح التراجع يقفز قفزا للوراء. وبدأت أفكار العودة للماضي تأخذ طريقها لمنصات المؤسسات المدنية بمعظم أشكالها؛ وأهمها منصات التعليم. وانتشرت التسجيلات الدينية التي تحمل هذا الفكر بشكل أكبر –افتتح أول محل تسجيلات دينية عام 1977م وكان صغيرا ومتواضعا-. وبما أن أصحاب هذا الفكر خبراء في إساءة فهم الواقع، رسخوا مفهوم أن كل جديد وحضاري هو بدعة وضلالة وكفر. بل حتى العلوم في المدارس يرون أنها (تعلم الطلاب علوما كفرية مثل كروية الأرض). فأصبح التطور جزءا من مفهوم الفساد الذي يجب محاربته ومكافحته والوقوف في وجهه.

تلك الحركات الدينية ليست وليدة فكر جهيمان فحسب؛ ولكنها تراكمات تطورية لفكر التكفير. وهي موثقة في كتب قديمة وحديثة لن يمكن التخلص منها.. ستبقى تنتظر عقلا فاسدا يتبناها ويبدأ بها مرحلة فساد جديدة. فهي تلوي ذراع النصوص الدينية وتشوه مفهومها وتبثها للبسطاء الذين يصدقون أن الدين عنف وتكفير وعودة للماضي.

الالتفات نحو المستقبل والمضي قدما في طريق الحضارة والتطور هو الحل لمكافحة الشعوذات المتلبسة باسم الدين.. وهو السبيل لتعويض سنوات التراجع للوراء.