شملان يوسف العيسى

 أكد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان تعهده بالرجوع بالمملكة إلى صيغة الإسلام المعتدل كما كان موجوداً في السابق. تصريح الأمير خلق ردود أفعال عبر وسائل الإعلام وصفحات التواصل الاجتماعي. بعض المغردين أيدوا تصريحات الأمير، وأوضحوا بأن الإسلام الذي جاء به محمد بن عبدالله (صلى الله عليه وسلم) هو الإسلام الوسطي، بعيداً عن التشويه الذي لحق بالدين على أيدي المتطرفين في حقب زمنية تالية.

هذا فيما عارض بعض المغردين مفهوم «الإسلام المعتدل»، لأسبابهم الأيديولوجية المعروفة، وزعموا بأنه بدعة أميركية، وأن «الإسلام الأميركي» هو الذي يحتاج لإعادة شرح نصوصه.. بل ذهبوا في زعمهم إلى حد الادعاء بأن الإسلام المعتدل هو سبب انتشار الإلحاد والفتن والضياع الحاصل حالياً!

ومهما كانت طبيعة آراء بعض المغردين المتطرفة، فلا أحد يختلف مع دعوة ولي العهد السعودي المطالِبَة بالاعتدال والوسطية، وهذا هو مفهوم الإسلام الحقيقي.

لذلك فالمشكلة، حسب اعتقادي، تكمن في إقناع رجال الدين المتشددين ومحاولة إفهامهم بأن الوسطية هي طبيعة الإسلام وجوهره. فهؤلاء المتشددون لديهم مشكلة أصلاً في الاعتراف بالآخر أو حتى الإقرار بوجوده أساساً.. فهم يؤمنون إيماناً مطلقاً بأن هناك طريقة واحدة صحيحة للحياة كما يرونها.

والسؤال هنا هو: كيف يمكن إقناع المدارس الأصولية وأصحاب المفاهيم الدينية المتشددة التي تروج لها بعض المذاهب الدينية والجامعات والمعاهد والأحزاب الدينية المتشددة.. بأن رسالة الإسلام هي الاعتدال وأن التشدد والمغالاة في الدين هي التي خلقت الحروب، وأدت إلى بروز الجماعات الجهادية المتشددة مثل «القاعدة»، و«داعش»، و«حزب الله» وغيرها؟!

نحن لا نحتاج إلى تبني الإسلام الوسطي في تفكيرنا فقط، بل نحتاج إلى الوسطية ليس فقط في ممارساتنا الدينية وعباداتنا، بل نحتاج إليها أكثر في كيفية تعاملنا مع أنفسنا ومع الآخرين الذين يختلفون عنا في الدين أو المذهب أو العقيدة بشكل عام.

فالحوار مع الدول والشعوب الأخرى بشكل مفتوح وصريح سيرفع من قيمتنا أمام الشعوب والدول الأخرى. ولا شك في أن وزير الخزانة الأميركي، ستيفين منوتشين، كان محقاً عندما صرّح خلال منتدى مستقبل الاستثمار المنعقد بالرياض، حيث قال إن الانفتاح والاعتدال اللذين دعا لهما ولي العهد السعودي سيقودان المنطقة إلى مستقبل واعد.

نحتاج اليوم في عصر الانفتاح، بعد العمل المشترك للقضاء على التطرف والإرهاب، إلى تعزيز الوسطية في ممارساتنا الدينية وفي حوارنا مع الأديان والثقافات على الصعيد العالمي.

ما هو مطلوب، بعد دعوة الأمير محمد بن سلمان للاعتدال والوسطية، هو تغيير وإعادة النظر في مناهجنا التعليمية في دول الخليج العربية وفي الوطن العربي ككل، ومراجعتها بغرض تنقيحها مما قد يكون متضمناً فيها من تحريض على الأديان والثقافات الأخرى وأتباعها أو الحض على كراهيتها والتقليل من شأنها واحتقارها.. واستبدال المفاهيم القديمة البالية بمفاهيم حضارية جديدة ذات مضامين تُعلي من قيم قبول الآخر والتسامح والاحترام المتبادل وغيرها من قيم التفاعل الإيجابي والبناء.