خالد الطراح 

 لم يدر في بالي إطلاقاً حين أقرأ كتاباً أن أجد نفسي بين حالتَي تقصير وتكاسل في توثيق ما عايشت من أحداث وتطورات سياسية طيلة فترات محطات عملي الطويلة والمتنوعة.
تملكتني هذه الحالة منذ بداية قراءة الصفحات الأولى لكتاب «في أروقة القصور» للكاتب الشاب محمد حمود البغيلي، فقد برزت لديه مهارة الكتابة منذ البداية حتى النهاية، علاوة على ذاكرة حاضرة للتوثيق ورصد ما يجري حوله منذ دخوله أبواب «القصور» خلال حقبتين مختلفتين لرئاسة مجلس الوزراء، وهي حقبة رئيس الوزراء السابق وحقبة الأخ العزيز سمو الشيخ جابر المبارك رئيس مجلس الوزراء الحالي.

وُفِّق محمد البغيلي في سرد ملاحظات دقيقة لأحداث في غاية الأهمية، خصوصاً الغليان الذي اجتاح الشارع الكويتي خلال عهد رئيس الوزراء السابق وما صاحبه من «تظاهرات واحتجاجات» انتهت إلى «تنحية رئيس الوزراء»، وتقلد الشيخ جابر المبارك رئاسة الحكومة، على حد تعبير الكاتب.
ولم يغفل البغيلي، وهو الشاب الحديث على بلاط صناعة القرار السياسي، عن رسم صورة حقيقية للفريق المحيط برئيس الحكومة السابق وأسلوبه في التعامل مع معارضيه ومؤيديه، والتي لم يكن لها مردود ايجابي على البلد، وخير برهان عدد التشكيلات الوزارية غير المسبوق في تاريخ الكويت إلى جانب بلوغ العلاقة بين الشيخ ناصر وبين مختلف القوى السياسية، لا سيما مجاميع الشباب إلى طريق مسدود وفقاً لما ورد في الكتاب.
تفوّق البغيلي بجدارة في عكس الصورة الإنسانية والأبوية لصاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد ــــ حفظه الله ورعاه ـــــ في تبنّي المبادرات الشبابية ورصد نبض الشارع، وكذلك استعراض اهتمامات سمو الشيخ جابر المبارك في التاريخ، ودقته في مراجعة ما يقدم له من كلمات بما يعكس رؤيته وما يستجيب لمتطلبات المرحلة والمواجهة أيضا، والتمعّن في ما يعرض عليه من تقارير، سواء أكان مصدرها من المستشارين ذوي الخبرة أم من الشباب، كالبغيلي.
أنعش كتاب البغيلي ذاكرتي حول مواقف سياسية شهدتها شخصياً تميزت «بالحاتمية والعطايا» خلال المناصب التي تقلّدها مسؤول حكومي رفيع المستوى، ستجري روايتها وتوثقيها في الوقت المناسب بشكلٍ دقيقٍ نظراً الى طبيعتها الاستثنائية وأبعادها السياسية.
«في أروقة القصور» كتاب يفتح الباب للتوثيق لمرحلة تاريخية، دفعت الكويت وشعبها ثمناً ليس هيناً، ولعل ما ذكره البغيلي بحق الأخ العزيز الشيخ د.محمد صباح السالم وخروجه من الحكومة يؤكد حالة المرحلة الوزارية إبان تلك الحقبة السياسية التي اتسمت بقرارات لم يصب أغلبها في مصلحة الدولة والشعب أيضاً.
أرجو من الأخ سمو الشيخ جابر مباركة كتاب «في أروقة القصور»؛ فالتعبير بالعلن خير من الشعور بالخوف من ضيق بيئة الحريات، مما قد يدفع البعض إلى التعبير بالسر وتراكم الضغوط النفسية، وهو ما قد يجعل الفضاء الإلكتروني داءً إعلامياً!
شكراً للأخ العزيز الشاعر حمود البغيلي (بو محمد) على هديته القيمة ومع أطيب التمنيات لابنه محمد، ومن على شاكلته من مبادرين ومبدعين؛ فالكويت بُنيت، وتُبنى على سواعد أبنائها.