سمير عطا الله

 العالم يتدافع نحو قراءة الوثائق التي كُشفت حديثاً حول مقتل أشهر وجهين طَبَعا اغتيالات القرن الماضي: جون كيندي وتشي غيفارا. وقد يَعترض مُعترض، وماذا عن اغتيال أرشيدوق النمسا الذي أدى إلى اشتعال الحرب العالمية الأولى؟ وعن اغتيال المهاتما غاندي، ثم أنديرا غاندي، وعن اغتيال أنور السادات؟

في اعتقادي، ثمة فارق كبير: الأسطورة! مقتل كيندي سوف يظل غامضاً ولو كشفت ملايين الوثائق؛ لأن قاتله قُتل، وقاتل قاتله مات. وغيفارا لأن قَتَلته أدلوا بشهادات متضاربة على مدى السنين، أغلبها إما كذب متعمد أو خيالات هدفها إضافة المزيد من الرومانسية إلى الثائر الأكثر وسامة ورومانسية في القرن الماضي.
برز كيندي وعدوه غيفارا مع بروز «عصر الصورة» في العالم. انتخبت أميركا رئيساً شاباً ووسيماً، وأصبح أعداؤها الجدد صفاً من الشبان الكاريزميين: غيفارا وكاسترو ومانديلا، بدل لينين وستالين ونظارتي تروتسكي الطبيتين. صارت الوسيلة «صوتاً وصورة: ولم تعد مجرد ترانزيستور. وعلَّق الشبان صورة غيفارا الملتحي على جدران الجامعات وزجاج السيارات، مأخوذين بشخصيته، وليس حقاً بآيديولوجيته. وربما لم تعرف جدران العالم حتى الآن، أو القمصان، أو علب السيجار، صورة قدر ما عرفت صورته.
نقل التلفزيون إلى الأميركيين صورة شاب وسيم وصوت مرشح بالغ الثقافة والشجاعة، بينما كان منافسه ريتشارد نيكسون يتعثر بصورة الريفي المطل حديثاً على المدينة. وفوق ذلك، كان إلى جانب كيندي زوجة ساحرة الأناقة والثقافة.
ولكي تكتمل الأسطورة، كما في كل الأساطير، قُتل الاثنان في عز شبابهما، فشعر المعجبون حول العالم أنهما خطفا منهم. ومنذ الاغتيال إلى اليوم، لم تتوقف الكتب والأفلام والمسلسلات. ولم تتوقف التكهنات والنظريات والتحريات. فماذا لو أن القاتل اعتقل؟ لا. لم تكن النظريات لتتوقف. فقد اعتقل سرحان سرحان، قاتل روبرت كيندي، وحوكم ولا يزال في السجن، ومع ذلك، النظريات مستمرة، والمؤلفات أيضاً. وحتى الأمس كانت الناس تقول إن هتلر لم ينتحر، وإنه يعيش مزارعاً في البرازيل. ولا تنسَ أن الخرافة صناعة ومصدر دخل. وأن هناك من يشتري.