رندة تقي الدين 

يفتتح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وولي العهد الاماراتي الشيخ محمد بن زايد في الثامن من تشرين الثاني (نوفمبر) متحف اللوفر- أبوظبي الذي صممه المهندس المعماري الشهير جان نوفيل (مصمم معهد العالم العربي في باريس) وشريكته المهندسة المعمارية اللبنانية الاصل هاله وردة مديرة المشروع الهندسي للوفر. عملت وردة إلى جانب نوفيل لمدة ٢٠ سنة، وهي الآن شريكته على رأس شركتها HW للهندسة المعمارية.

«الحياة» التقت في باريس نوفيل ووردة في مكاتب الاخيرة المكرسة حالياً لمشروع اللوفر- أبو ظبي.

روت وردة كيف أنشئ اللوفر في جزيرة السعديات في أبو ظبي، قائلة: «عندما زرنا مع جان نوفيل جزيرة السعديات في ابو ظبي لم يكن هناك أي جسر يؤدي اليها، فكان الوصول بالمروحية أو بالباخرة. كانت هناك فقط الرمال والمياه والنور الطبيعي. وكان هذا المحيط بمثابة وحي للمشروع الهندسي».

وأضافت: «الإمارات طلبت حينها عبر شركة التطوير السياحي والاستثمارات التي كان يرأسها الشيخ سلطان بن طحنون، من توم كرانس الذي كان مديراً لمتحف غوغنهايم في نيويورك وفي بلباو (إسبانيا)، المساعدة في التفكير في إنشاء منطقة ثقافية في السعديات. واختار كرانس مع الشيخ سلطان توزيع الأعمال الفنية في السعديات على مشاريع غوغنهايم مع المهندس المعماري فرانك غيري ومركز الفنون الأدائية مع زها حديد ومتحف بحري مع تادوو اندو ومتحف كلاسيكي يبنيه جان نوفيل ولاحقاً متحف الشيخ زايد مع نورمان فوستر. كانت هذه الخطة التي قدمها كرانس للإمارات لتحويل السعديات إلى منطقة ثقافية وذلك قبل الاتفاق مع فرنسا لبناء اللوفر- أبو ظبي».

أضافت وردة: «وضع نوفيل تصميماً مرتبطاً كلياً بروح المكان وثقافة المنطقة الجغرافية والتاريخية. فأراد هندسة بمثابة مدينة عربية، تكون كل قاعة منها بحد ذاتها مبنى، ومغطاة بقبة ضخمة بيضاء رمزاً للثقافة العربية التي تحمي جزئياً هذا الحي والأماكن الخارجية للتنزه، مع إظهار تدفق الضوء عبر القبة والمباني، كما نجده يتدفق في حدائق النخيل وفي الأسواق عندما نكون في الظل».

كان ذلك قبل عام ٢٠٠٧ عندما وقّع اتفاق بين حكومتي أبو ظبي وفرنسا لتتحول فكرة المتحف الكلاسيكي إلى اللوفر- أبو ظبي. وتقول وردة: «كان هناك بعض الانتقادات من محافظين في فرنسا تخوفوا من نقل أعمال وكنوز فنية الى أبوظبي حيث الطقس يجعلها هشة، على رغم الاعتراف بجودة المشروع الهندسي. ولكنهم أعجبوا لاحقاً بالمشروع».

عام ٢٠٠٦ رُسم المشروع وفي ٢٠٠٧ وُقّع الاتفاق الذي يشمل ١٢ متحفاً فرنسياً. وتبلغ كلفة شراء اللوفر بليون دولار، منها ٤٠٠ مليون لاسم اللوفر، والباقي موزع على الخبرات وشراء الاعمال. والمجموعة التي يملكها اللوفر - أبوظبي، قوامها ٦٠٠ عمل فني مشتراة ونصفها مستعارة.

 

تكوين المجموعة

خلال ست او سبع سنوات أُنشئت لجان لتكوين هذه المجموعة وشراء الأعمال. كما أنشئت وكالة المتاحف الفرنسية «Agence France museum» التي تضم ١٢ متحفاً فرنسياً لتوفير الاستشارات لبرامج استعارة الأعمال الفنية وتنظيم المعارض الموقتة والمساهمة في انشاء مجموعة المتحف الفنية الدائمة. وتؤكد وردة أن «المتاحف الـ 12 من بومبيدو الى غيمي الى برانلي جاك شيراك الى كلوني وغيرها، تساهم في تكوين المجموعة واعطاء الاستشارات لسلطات أبوظبي المعنية».

وأوضحت أنه بعد ذلك، أعيد رسم الخطة الاولى كلياً ولكن الفكرة الأساسية لم تتغير مع القبة الضخمة البالغ قطرها ١٨٠ متراً والتي تغطي معظم أجزاء المتحف، وتتكون من ثماني طبقات، أربع منها مصنوعة من الحديد الصلب وأربع طبقات داخلية لها هيكل فولاذي بارتفاع خمسة أمتار. وتخترق أشعة الشمس الطبقات الثماني ليشعّ النور طوال النهار.

تقول وردة: «توقف المشروع كلياً في ٢٠١١ اثناء احداث الربيع العربي لمدة سنة. بعد العودة الى العمل أنشأنا المباني، وفي الوقت نفسه رسمنا تصاميم الأثاث ووضعنا الخطط لمساحة العرض التي تبلغ ٦٠٠٠ متر مربع». وأشارت الى أن الفكرة الاساسية «تكمن في نقل الزائر من مدينة الى قصر. فالمدينة متمثلة بالمباني البيضاء المحيطة به، وفيها نكتشف المجموعة الفنية للمتحف، وفي كل قاعة هناك تصميم خاص لناحية نوعية الحجر المستخدم والسقف الزجاجي». أما بالنسبة إلى أرضية المباني، فاختار نوفيل ووردة حجراً من عمّان «لأن في الماضي هناك أعمال فنية نُفّذت بهذا الحجر في الأردن».

واضافة الى الاعمال الفنية الاساسية التي ستعرض في المتحف، هناك اعمال فنية حديثة ستعرض خارجه للفنان الايطالي جوزيبي بينوني ممثل حركة «ارتي بوفيرا»، وللأميركية جيني هولتر، ولأوغوست رودان، تتجمع حول نافورة من دمشق تعود إلى العهد العثماني.

 

جان نوفيل

ودخل المصمم المعماري النجم جان نوفيل الذي حاز جائزة بريتزكر العالمية للهندسة المعمارية مكتب وردة، وكان إعلاميون من أنحاء العالم ينتظرونه للحديث عن «اللوفر - أبو ظبي». وقال لـ «الحياة»: «أنا مصمم معماري آخذ في الاعتبار محيط الأعمال التي أصممها. أنا من دعاة عدم تصميم مبنى يكون شبيها بكل أماكن الارض، ولسوء الحظ هذا موجود. أعتقد ان لكل مبنى وخصوصاً الرمزي منه إشارة إلى ثقافة بلد، تعكس فترة اقتصادية عريقة ومنتعشة. وكل مرة تمر هذه المدن في فترات انتعاش تريد اظهار ذلك. فلا بد من الأخذ بالعوامل التي أحاطت بالبناء حتى اليوم وليس نسخها، والعامل الاول هو المرحلة الزمنية التي يتم فيها البناء». وأضاف: «كل مبنى بمثابة شاهد على فترة، وما أردته من اللوفر- أبو ظبي أن يكون حياً، فضلاً عن كونه مبنى بحت وهي فلسفتي أتبعها منذ وقت بعيد».

وشرح نوفيل أن «المتحف ليس خزنة لجمع وثائق بل هو مكان لكشف روح الأعمال الفنية المعروضة فيه. يجب أن يكون المتحف مكان سكن للأعمال الفنية. وقد أردت الاخذ بالمميزات الكبرى للتصميم الهندسي العربي، منها ما يتعلق بتخطيط المدن عبر ارتباطها بالظلال، وبالوقاية من الشمس». وأضاف: «أردت أيضاً إضافة معنى روحي اليه ليبرز بُعداً نبيلاً، وهذه المميزات سبق أن عملت بها في عملي الهندسي لمعهد العالم العربي في باريس».

وقال: «بالنسبة إلى فن العمارة العربي هو الحجم والضوء، فهنا القبة لها حجم غير عادي قياسا بالقبب العربية التقليدية، وينبغي أن تأخذ المباني طابعها مثل الأشخاص. فحجم القبة على البيوت وعلى المباني الدينية والمساجد كثيرا ما يكون اكثر تقويساً. اما هنا فأردت بناء قبة مظلة تخيم على الحي بأكمله وتنشئ نموذجاً مناخياً مثالياً يرمز من الداخل والخارج الى السماء».

وتابع: «هذا متحف كوني ونحن في مكان لم يكن فيه إلا جزيرة في صحراء، لم يكن فيها سوى الرمل والمياه والسماء وهي مواد تحمل على التفكير بالكونية: فالبحر هو السفن التي تختفي في الافق وتستحضر الحضارات الموجودة على الطرف الآخر والكونية المرتبطة بالفضاء. والقبب كانت دائما رموزا للسماء». ورأى نوفيل أنه ينبغي توفير بيئة مناخية مثالية، بما في ذلك درجة الحرارة. فالقبة هنا مظلة «قررتُ تخريمها بما يكون له انعكاسات هندسية على مجمل المبنى لان المشربيات تلعب في الواقع هذا الدور أيضاً وتوزع الضوء على أشكال هندسية على الأرض والوجهات الزجاجية. ولا يمكن وضع المشربية في شكل أفقي ولا استخدامها للسقف». ويشكل شعاع النور محوراً رئيسياً في هندسة «اللوفر- أبو ظبي».

أما الوقاية من الحر فتتم وفق نوفيل، عبر استخدام المياه وادخالها بين المباني كما يحدث في مدينة البندقية الايطالية. وأضاف: «نستخدم الهواء ونوسع محيط المياه قدر الامكان، وهناك دائماً ٤ درجات حرارة أقل في الداخل، والفكرة أتت من وحي التنزه تحت النخيل حيث تتحرك أشعة الشمس. أعارض مبدأ التبريد على الطريقة الاميركية اي الانتقال من ٤٠ درجة حرارة إلى ٢٠ درجة. وكان مهماً أن نخفف هذا الفرق في الحرارة وهكذا نحمي الاعمال الفنية».

وعما يقوله للجماهير العربية في افتتاح هذا المتحف، صرّح نوفيل: «إنه شاهد على حضارتهم وعلى أن قيمهم بإمكانها أن تصور بعمق وفي أسلوب شعري ومع ابتكار وأنه لا يمكن الانزواء في الماضي، ولكن لا يمكن أيضاً نسيانه، فالحداثة هي التقليد الحديث».