رياض نعسان أغا

لم يحقق المؤتمر الأخير في آستانة في جولته السابعة أي تقدم يذكر، فقد أخفقت روسيا من جديد في معالجة ملف المعتقلين مع النظام، وهو الملف الأكثر أهمية في جدول أعمال المؤتمر، وكانت روسيا قد طلبت تأجيل بحثه مرات. ويبدو أن النظام السوري لا يريد الإفراج عن المعتقلين كي لا يواجه أسئلة عن عشرات وربما مئات الآلاف ممن قضوا تحت التعذيب، وقد رأى العالم نماذج قدمتها الصور الشهيرة التي سربها قيصر وتجاوزت خمسة وخمسين ألف صورة عن ضحايا التعذيب.

وكان وفد المعارضة قد شارك في لقاءات آستانة من منطلق الحرص على إيقاف شلال الدم، ورأى أن تخفيض التصعيد يمكن أن يكون مرحلة تمهيدية لوقف شامل لإطلاق النار، ولكن الخروقات اليومية في مناطق خفض التصعيد من قبل النظام جعلت الاتفاقيات بلا مصداقية ولا سيما في الغوطة حيث يشتد الحصار والقصف ويهدد المئات بالموت جوعاً ومرضاً.

ويبدو أن مؤتمر آستانة قد فقد أهميته ولن يجدي الاستمرار فيه وقد وصل إلى جدار مسدود، ولعل هذا ما دفع روسيا للتفكير في الدعوة إلى مؤتمر عام رغبت في البداية أن تعقده في سوريا باسم مؤتمر الشعوب السورية، ثم حولته إلى «سوتشي» باسم مؤتمر الحوار الوطني، وقد دعا إليه الروس العديد من التنظيمات التي تعلن أنها معارضة ولكنها في أهدافها وأدبياتها لا تختلف عن طروحات النظام. كما دعيت أيضاً تنظيمات معارضة جادة أعلن كثير منها رفضه الحضور لمؤتمر يقفز فوق قرارات الأمم المتحدة، ويجعل روسيا وحدها المتفردة بالحل النهائي للقضية السورية الدولية. ويتجاهل مبادئ جنيف 1 وعملية الانتقال السياسي التي اعتمدتها كل القرارات الأممية ليناقش الانتخابات والدستور، ومن المفترض أن تتم مناقشة هذه القضايا بعد الانتهاء من تأسيس هيئة حكم انتقالية، وبدء عهد جديد ينتهي فيه عهد الاستبداد والديكتاتورية ليبدأ بناء دولة سورية مدنية ديموقراطية غير طائفية عبر حكم ذي مصداقية، وهذه التعابير هي جوهر ما دعت إليه الشرعية الدولية في جميع قراراتها.

وترى المعارضة الوطنية السورية أن هدف روسيا من هذا المؤتمر هو إعادة تأهيل النظام، وربما هي تستعجل عقده، وتزاحم سواه من المؤتمرات لتعلن انتصاراً قبيل الانتخابات الرئاسية، ويبدو واهماً من يظن أن الشعب السوري الذي قدم تضحيات غير مسبوقة تاريخياً على مذبح الحرية سيقبل عودة ذليلة إلى حضن النظام، ولا سيما أنه يدرك أن النظام سينتقم بوحشية من كل من ثار عليه أو عارضه. وحسب النظام أنه فقد كل الشعارات الإنسانية وجعل البوط العسكري شعاراً له تأكيداً على سطوة الدولة الأمنية. واشترط قيادي في حزب «البعث» على كل من يفكر في العودة إلى وطنه سوريا أن يقبّـل بوط العسكري وليس جبهته مثلاً، وهذه غطرسة تكشف طبيعة النظام!

والسوريون يعرفون جيداً أن النظام غير قابل لتغيير سلوكه إطلاقاً، وأن المجرمين فيه غارقون في سلوك الجريمة المتوحشة، وقد فقد هؤلاء كل المشاعر الإنسانية، ويكفي النظر إلى الضحايا من الأطفال وحدهم دليلاً على حالة التوحش التي يعيشونها. وما تقترحه روسيا من مصالحات مع هؤلاء هو دعوة للرضوخ لمنطق الاستبداد وانتصار للديكتاتورية، وإذلال متعمد للملايين من الشعب السوري المضطهد، ومكان هؤلاء المجرمين هو المحاكم العادلة.

وأما المؤتمر الثالث الذي تترقبه المعارضة السورية وتدعو إليه فهو مؤتمر الرياض الثاني، وهي تطمئن فيه إلى رعاية المملكة العربية السعودية والعديد من دول أصدقاء سوريا، وتعلن المعارضة أنها تريد مزيداً من توحيد المعارضات التي تتوافق مع رؤية الشعب السوري وتعبر عن مبادئ ثورته، وتصر على أن الانتقال السياسي عبر بيان جنيف 1 والقرارات الدولية وبيان الرياض الذي أطلقه مؤتمر الرياض محدداً ثوابت الرؤية والهدف، هو الطريق إلى الحل السياسي النهائي برعاية الأمم المتحدة.

وأما المؤتمر الرابع المرتقب فهو الجولة الثامنة من مباحثات جنيف التي تحدث عنها دي مستورا ولم يحدد بعد موعداً رسمياً لها، وقد تكون في نهاية هذا الشهر نوفمبر (2017)، ونرجو أن يتمكن دي مستورا في هذه الجولة الجديدة من دخول جاد في بحث عملية الانتقال السياسي، فإن لم يفعل فستكون نتيجة الجولة مثل سابقاتها، فشلاً يتوج به دي مستورا مهمته التاريخية.