إميل أمين

 تبقى إيران وسياساتها العدائية عقبة كؤوداً في طريق أمن الشرق الأوسط واستقراره، الأمر الذي يتفق عليه القاصي والداني، غير أن المثير في الأيام الأخيرة محاولاتها للظهور بمظهر المنظّر للسياسات العقلانية والأخلاقية لدول المنطقة ما لا يتفق شكلاً ولا موضوعاً مع حقيقة نظامها المصدّر للأزمات والمورّد للقلاقل والاضطرابات.

قبل بضعة أيام، أشارت الرياض ومن جديد إلى الدور الذي يلعبه النظام الإيراني في دعم الميليشيات بالأسلحة والذخائر وتحميله وأدواته مسؤولية العبث بأمن المنطقة.
ولعل البيان الذي تلاه وزير الثقافة والإعلام السعودي الدكتور عواد العواد، عقب الاجتماع الذي ترأسه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في قصر اليمامة، يؤكد أن دول التحالف لم تتدخل في اليمن إلا تلبية لنداء الحكومة اليمنية الشرعية ضد ميليشيا الانقلابيين وانسجاماً مع قرار مجلس الأمن 2216.
بيان الرياض الأخير يجد ما يؤكد حقيقته في تاريخ إيران الطويل، فما من حكومة أجنبية - كما يذهب مايكل أوهانلون المتخصص في الأمن القومي وسياسة الدفاع الأميركية - ملطخة أياديها بالدماء أكثر من ثيوقراطية إيران الثورية ما بعد عام 1979، إذ كانت العقل المدبر خلف تفجيرات الثكنات البحرية في لبنان في عام 1983، وتفجيرات أبراج الخبر في السعودية في عام 1996، ومنذ عام 2003 قدم فيلق القدس التابع لإيران الأسلحة للمتمردين في كل الشرق الأوسط، وقد أسهمت جهود طهران المتواصلة في إثارة النعرات الطائفية وتفاقم الحروب التي أدت إلى مقتل أكثر من 1.5 مليون شخص منذ عام 2011، ناهيك بدورها في الأراضي الفلسطينية وتعميق النزاع بين الفصائل.
العداء الإيراني العرقي للعرب لا يواري ولا يداري حتى ولو تمسّح في أثواب الدهاء السياسي الإيراني المعتاد وعبر دس السم في العسل، وعلى غير المصدق الاستماع للمتحدث باسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي، الأيام الماضية، بخصوص مصر.
قاسمي يتودد إلى المصريين بتاريخهم العريق ومكانة مصر في العالم العربي وبالمشتركات التي تربط الشعبين المصري والإيراني، لكنه تودد مغشوش غير حقيقي هدفه زرع الفتنة بين مصر وأشقائها، الأمر الذي تدركه مصر قيادة وشعباً.
يتبجح قاسمي بالقول إن مصر فقدت دورها في المنطقة بسبب سياساتها الخاطئة، ويوصي الساسة المصريين بتبني وجهات نظر جديدة تجاه القضايا الإقليمية وتفهم حقائق المجتمع الإيراني... أين الحقيقة من الزيف؟
حلم الإيرانيين عودة العلاقات المصرية - الإيرانية لكنها مقطوعة منذ 40 عاماً تقريباً، وغالباً سيبقى الحال على ما هو عليه طالما بقي حلم الخميني في أن يرفرف علم الثورة الإيرانية على القاهرة، ضمن مجموعة العواصم العربية، شعاراً يسعى وراءه نظام الملالي.
أما ما يدركه الإيرانيون تمام الإدراك هو أن مخططاتهم فاشلة في الحال والاستقبال بالنسبة لشق الصف العربي؛ فالحقيقة التي لا ينكرها إلا حاقد أو جاحد هي أن مصر تسعى لأن تكون أداة سلام واستقرار حقيقي في المنطقة ودون شوفينية مصرية رمانة ميزان في منطقة مضطربة.
مصر لا أطماع لديها في هيمنة إقليمية كما تفعل طهران ولا تسعى لتصدير الفتن أو تحيك المؤامرات لمن حولها من الجيران، ومصر لا تهدد الملاحة البحرية الدولية في الخليج العربي، ولا تسارع في برامج الصواريخ الباليستية بحجج واهية مثل القول إنها معدة لمجابهة الأميركيين.
هل يريد قاسمي لمصر العروبة الملتزمة بقضايا الأمن القومي العربي أن تمضي في أثر محمد علي جعفري القائد العام للحرس الثوري الإيراني وهو يتحدث عن مدى الصواريخ الإيرانية الذي يصل إلى 2000 كيلومتر، ما يهدد دول الشرق الأوسط وربما ما هو أبعد منها أوروبياً وآسيوياً؟
حكماً كان الموقف المصري الأخير من استراتيجية الرئيس الأميركي دونالد ترمب تجاه إيران مثيراً لحنقها، إذ أكدت مصر دوماً مطالباتها بضرورة تعزيز عوامل بناء الثقة في الشرق الأوسط، من خلال أهمية تبني القوى الإقليمية سياسات ومواقف لا تشكل تهديداً لاستقرار المنطقة وأمنها والتوقف عن أي تدخلات سلبية في الشؤون الداخلية للدول العربية.
أحسنت الخارجية المصرية بردها الحاسم والحازم تجاه تصريحات تثير علامات استفهام من الجانب الإيراني، لا سيما إذا اعتبرت أن هناك ركائز أساسية للسياسات الخارجية المصرية لا تحيد عنها في مقابل ترغيب أو تحت ترهيب، وفي المقدمة منها الحفاظ على الأمن القومي العربي وسلامة الدول العربية، ولا سيما دول الخليج.
الخارجية المصرية تقف بدورها بجانب بيان الرياض في التأكيد على ضرورة احترام مبادئ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وعلاقات حسن الجوار والحفاظ على تماسك الدولة الوطنية ونبذ الطائفية ومكافحة أشكال الإرهاب والتطرف وجميعها تخلفها إيران.
العداء الدوغمائي والآيديولوجي ناهيك بالتمايز العرقي لدى الإيرانيين تجاه العرب ليس بالأمر الجديد، إنما المثير هذه المرة هو أن إيران تحاول اللعب على المتناقضات الدولية وتستغل صراعها مع القوى الإقليمية الكبرى في محاولة منها للفرار من تكاليف لا بد لها أن تدفعها وتريد إلقاء تبعاتها على بقية سكان المنطقة.
المشهد الإيراني يقتضي في الآونة الأخيرة استراتيجية عربية موازية للاستراتيجية الأميركية لاحتواء إيران والتصدي لطموحاتها المتغطرسة، وفي هذا، تبقى الرياض والقاهرة في القلب تجاه مؤامرات طهران.