خلف الحربي

في السيارة.. كانت فيروز تغني: (ضاق خلقي يا صبي.. من هالجو العصبي) وكنت أفكر في قدرة البشر الهائلة على صناعة المزاج العصبي حتى في أجمل اللحظات وأكثرها بعثا للتفاؤل.

طوال الأسابيع الماضية عاشت البلاد لحظات سعيدة أقل ما يقال عنها إنها لحظات تاريخية طال انتظارها لعقود، لحظات مضيئة صنعت جبالا من التفاؤل داخل النفوس، فكل شيء يقول إننا أمام إشراقة مبهجة لوطن طموح، ولكن الشيء الوحيد الذي ظهر نشازه وسط هذه المعزوفة الوطنية الرائعة يتمثل في موضة المسؤولين العصبيين التي دشنها بعض الوزراء هذه الأيام، وخصوصا في تعاملهم مع الإعلاميين ووسائل الإعلام.

ما بهم بعض أصحاب المعالي (حمقيين) هكذا؟، يهددون الإعلاميين بالمحاكم ويردون عليهم بأسلوب شديد الجفاف!، ولماذا يرى بعض الوزراء أن نقد الإعلامي لأدائهم استفزاز شخصي له ما وراءه؟!

على رسلكم يا (بعض) أصحاب المعالي فنحن نعيش في عام 2017 وعجلة الزمن لا يمكن أن تعود إلى عصر «البيجر» مهما اشتدت الأعصاب وتقطبت الحواجب، وتطور الإعلام ومهنيته ومصداقيته وتعدد الآراء فيه عامل أساسي في نجاح رؤية 2030، ولعلكم تابعتم وقفة الإعلام السعودي خلال أزمة قطر، فبرغم حالة الانفلات والتشويش والتطاحن الإعلامي الشرس من الطرفين (الذي لم يخل من بعض السقطات المؤسفة)، إلا أن الإعلام السعودي استطاع أن يعيد خلايا عزمي إلى جحورها ويجعلها تتوسل التهدئة، بل أجبرها جبرا على أن تتحدث عن الأخوة والمودة والتضامن، وهذا معاكس تماما لنهجها قبل سنوات، حين دخلت قطر في مواجهات إعلامية سابقة مع دول عربية وخليجية أخرى حيث افترست قناة الجزيرة إعلام الدول المستهدفة وجعلت مسؤوليها يتحاشون مواجهة قطر.. ومثل هذا الإعلام الوطني الصلب يحتاج الدعم بكافة السبل لا العصبية و(الجرجرة) في المحاكم.

لقد رفع خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- في أول لقاء له مع المثقفين والإعلاميين شعار: (رحم الله من أهدى إلي عيوبي)، أما سمو ولي العهد فهو من أكثر المسؤولين ترحيبا بالإعلام والإعلاميين، وقد عرف بصراحته الشديدة مع الصحفيين، وأذكر أول مرة التقيت فيها سموه ضمن الوفد الصحفي المرافق لخادم الحرمين الشريفين في قمة الدول العشرين في تركيا حيث أجاب على كل الأسئلة بوضوح، بما في ذلك سؤال حول حدود النقد الصحفي، فأكد أنه لا حدود أبدا للنقد الصحفي إلا فيما يمس الثوابت أو الإساءة الشخصية المباشرة.. هذه نظرة قيادتنا للإعلام، فما بال بعض وزرائنا لا يستطيعون ضبط انفعالاتهم من الصحافة والإعلام؟