سمير عطا الله

 قبل اغتياله ببضعة أشهر، طلب الرئيس رفيق الحريري أن أذهب لمقابلته بعد انقطاع لأكثر من ثلاث سنوات. دام اللقاء أكثر من ساعة تحدث خلالها عن موضوع واحد: الرغبة في اعتزال السياسة. قال لقد أمضيت في رئاسة الحكومة ما أمضيت واكتفيت. وابني البكر بهاء لا يريد أن يسمع كلمة سياسة، وابني سعد همه عائلته وشركتنا. وأنقل عنه هذا التعبير حرفياً: «لا أريد (ديناستي) في البيت»، إشارة إلى مسلسل أميركي شهير حول عائلة كبرى في ولاية تكساس.

لم يتسنَ له الاعتزال الهادئ، فاغتيل في عاصفة سياسية لم يعرف لبنان لها مثيلاً في كل عواصفه. واضطر سعد الحريري أن يرث ما كان والده لا يريد أن يورِّث. ورأى نفسه متزعماً حركة سياسية كبرى أوسع من إرث أبيه، كما رأى نفسه في كرسي رئاسة الحكومة يبحث عن قاتل أبيه. فلو ذهب المنصب لغيره، لما كان له ذلك الحرص والحماس للعثور على القاتل. فقد اعتاد اللبنانيون في الاغتيالات السياسية أن يحمل كل قتيل ملفه معه.
بكلام آخر، ورث الشاب سعد الحريري المأساة والتراجيديا، وليس الثروة والوجاهة. وورث المواجهة التي سوف تعرف برقمين ولدا من الانشقاق حول استشهاد رفيق الحريري: 14 و8 آذار. وكان على سعد الحريري أن يعيش في التجاذب مع خصومه، وأن يتخطاه في وقت واحد. لكن خصومه لم يهادنوه. ففيما كان يدخل للقاء باراك أوباما، كان الوزير جبران باسيل يعلن في بيروت استقالة وزرائه ووزراء حزب الله، أي عزل سعد الحريري.
مساء السبت الماضي، وبعد ست سنوات على مسخرة البيت الأبيض، رد المسالم سعد الحريري القفاز إلى الحزبين، مستقيلاً في بداية العام الثاني للرئيس ميشال عون، بعدما كان هو من سهَّل وصوله إلى القصر الجمهوري من خلال تسوية «مفاجئة وغير متوقعة».
«مفاجئة وغير متوقعة» كانت أيضاً استقالة سعد الحريري، الذي ضحك خصومه يوم خلع سترته في مهرجان عام وقال لجمهوره: «أنا إلى جانبكم. محسوبكم سعد». فإذا «محسوبكم سعد» يفجر أزمة كبرى في وجه إيران وحلفائها بعد ساعات من استقباله «موفد المرشد الدائم» إلى الخارج.
لم تكن تلك استقالة حكومة ومجيء أخرى. لقد فتح سعد الحريري أزمة سياسية ودستورية كبرى، سوف يكون من الصعب جداً إغلاق أبوابها ونوافذها ومزاريبها وزواريبها. وبعدما كانت زعامة الحريري قد اهتزت في أوساط السنَّة والاستقلاليين، عاد إليها وهجها، ولو في ظروف مقلقة.