صلاح عيسي 

مع أن العد التنازلي لبدء إجراءات انتخابات المدير العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «اليونسكو»، قد بدأ بالفعل.. ومع أن العرب يخوضون المنافسة على هذا الموقع الرفيع بأربعة مرشحين، يمثلون ما يقرب من نصف عدد الذين يتنافسون على شغله.. إلا أن كل الشواهد تدل على أن اهتمام الدول العربية بالنتيجة التي سوف تسفر عنها هذه الانتخابات، أقل بكثير من أهمية المنصب، ومن مكانة المنظمة الدولية!
وترجع أهمية موقع المدير العام لمنظمة اليونسكو، إلى المكانة الرفيعة التي تحتلها المنظمة على خريطة منظمات الأمم المتحدة، ويعود اهتمام العرب بهذا الموقع إلى أنهم يعتقدون -عن حق- أن المجال الثقافي من بين المجالات التي يتمتعون فيها - على المستوى الدولي - بميزة نسبية تدعوهم إلى السعي للحصول عليه، فضلاً عن أن مجالات التربية والتعليم من المجالات التي يحتاجون فيها إلى الحصول على خبرة إضافية تميز بينهم وبين غيرهم من دول العالم. وكان ذلك ما دفع أربع من الدول العربية هي: «مصر» و«العراق» و«لبنان» و«قطر» إلى خوض المنافسة على موقع المدير العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة، على الرغم من صعوبة المنافسة، ومن فشل كل المحاولات التي بذلها ويبذلها حتى الآن، - هؤلاء الإخوة الأعداء - للحيلولة دون تضارب المصالح فيما بينهم.
وليست هذه هي المرة الأولى التي تفشل فيها المجموعة العربية وحلفاؤها داخل المجلس التنفيذي لمنظمة اليونسكو، في التوصل إلى درجة من التوافق فيما بينها، تمكنها من تشكيل كتلة انتخابية تستطيع أن تحسم المنافسة على موقع المدير العام للمنظمة لصالح أحد المرشحين العرب، وفي كل مرة يعود هذا الفشل إلى إصرار الأطراف العربية على أن تخوض المعركة الانتخابية متنافسة، على نحو ينتهي بفشلها جميعًا في حسم النتيجة لصالحها، لينتقل موقع المدير العام إلى غيرها من الكتل الدولية الأخرى، وتخرج الكتلة العربية - كالعادة - من المعركة بـ«خفي حنين».
وحتى الآن، وبسبب تنافس المرشحين العرب الأربعة، على تولي منصب المدير العام لليونسكو، وإصرار كل منهم على عدم التنازل للآخر، فإن احتمال فوز أحدهم بالموقع يبدو بعيد المنال، على الرغم من الميزات النسبية التي تتمتع بها الكتلة العربية، التي تتكون من سبع دول تشكل فيما بينها ثلث عدد أعضاء المجلس التنفيذي للمنظمة، الذين يبلغ عددهم واحد وعشرون عضوًا. لكنها تفقد هذه الميزة النسبية، لأن أربعة من بين هؤلاء العرب السبعة يتنافسون فيما بينهم على موقع المدير التنفيذي للمنظمة.
ويكشف تحليل قائمة المرشحين التسعة لموقع المدير العام للمنظمة عن الخطأ الفاحش الذي يقع فيه العرب. حين يخوض أربعة منهم المعركة، على هذا الموقع متنافسين، لأن المنافسة بين هؤلاء تكاد تنحصر بين اثنين فقط هما المرشحة المصرية «السفيرة مشيرة خطاب» والمرشح القطري «حمد الكواري»، بينما تتراجع فرص المنافسة بالنسبة للمرشح العراقي «صالح الحسناوي» والمرشحة اللبنانية «فيرا خوري».. وبسبب خصومات وتوترات منافسات سياسية وغير سياسية قديمة وحديثة، بين الطرفين المصري والقطري، تصاعدت حتى وصلت إلى ذروتها في المرحلة الأخيرة، فليس واردًا تحت أي اعتبار، أن ينسحب أحد المرشحين - المصري أو القطري - لصالح المرشح الآخر.. والأرجح - طبقًا لتقدير الذين يتابعون الصراع الانتخابي بين الطرفين - أن يسفر هذا الصراع عن فوز كل منهما في معركة إلحاق الخسارة المحققة بخسارة الطرف الآخر والحيلولة بينه وبين الحصول على موقع المدير التنفيذي لمنظمة اليونسكو.
أما المؤكد فهو أن المنافسة بين الدول العربية الأربع، - خاصة بين «القاهرة» و«الدوحة» - سوف تنقل احتمالات الفوز بموقع المدير التنفيذي لمنظمة اليونسكو، إلى قطبين آخرين من المرشحين التسعة، وإلى كتلة تصويتية أخرى بين الناخبين.. لتنحصر المنافسة على موقع المدير التنفيذي للمنظمة، بين وزيرة الثقافة الفرنسية السابقة «إودري أزولي» وبين المرشح الصيني «كيان تانج»، ويقتصر رهان كل منهما على ثلاثة عشر صوتا تضمها المجموعة الإفريقية في المجلس التنفيذي للمنظمة، فتعتمدالصين على أنشطتها الاقتصادية في الدول الإفريقية، في اجتذاب أصوات هذه الدول لمرشحها، بينما تعتمد المرشحة الفرنسية على أصوات الدول الإفريقية الفرانكوفونية لتضمن لمرشحها الفوز بموقع المدير التنفيذي لليونسكو.. وبذلك يخرج العرب من مولد اليونسكو بلا حمص، بسبب إدمانهم لنصب الفخاخ لبعضهم البعض في المنظمات الدولية، مع أنهم قد يكونون - الآن على وجه التحديد - الأكثر احتياجا لموقع المدير التفيذي لليونسكو في هذه الظروف المناخية السيئة، التي شاءت أن تهب فيها على أمتهم العربية عواصف الربيع العربي، وبدلاً من أن تنجح في أن تؤسس لهم نظما ديمقراطية تحكمهم، أسهمت في تأسيس عصابات تسرق آثار بلادهم، وتدمر ما تبقى لهم من حضارة تركها لهم أجدادهم.