محمد السلمي

كانت دول المنطقة صبورة أكثر مما ينبغي تجاه عنجهيات نظام الملالي، مما فتح شهيته لمزيد من العبث ونشر الفوضى، وساعد على ذلك أيضا سياسات بعض الحكومات الغربية..

يبدو أن قدر المنطقة مع إيران ونظامها الثيوقراطي أن تبقى مشتعلة، وكلما خفتت النيران زادها ملالي طهران حطبا، ولعل الحطب المستخدم في هذه النيران من حثالات العرب الذين رموا أنفسهم في حضن طهران، مرددين «شبيك لبيك نحن بين يديك»، وبالتالي من غير المستبعد عن إيران استخدامهم كأذرع طائفية وميليشيات إرهابية في المنطقة منذ الثورة عام 1979. 
وفي ظل هذا الواقع المؤلم، تزعم إيران في المحافل الدولية أنها لم تشن حربا ضد دولة أخرى منذ عهد نادر الدين شاه، في النصف الأول من القرن الثامن عشر الميلادي، والمتابع لتصريحات المسؤولين الإيرانيين وعناصر اللوبي الإيراني في العواصم الغربية، يلحظ ترديد مثل هذه الأسطوانة بشكل جعل بعض الباحثين الغربيين يرددونها معهم وكأنها حقيقية محضة. 
الواقع أن إيران لم تتوقف يوما، على الأقل منذ الثورة، عن شن الحروب، ولكنها أدركت محدودية قدراتها وعدم استطاعتها المواجهة المباشرة، فاتجهت نحو إستراتيجية الحروب بالوكالة، عبر عناصر خلقتها داخل دول المنطقة، وغذّتها بالمال والسلاح، وقامت على تدريبها وتأهيلها لضرب الأمن والاستقرار داخل تلك الدول. 
نعم، لقد خلقت طهران الميليشيات في المنطقة، من شمالها إلى جنوبها، وصرفت مليارات الدولارات عليها، بينما نصف الشعب الإيراني يتضور جوعا، يفترش الأرض ويلتحف السماء. 
كانت دول المنطقة صبورة أكثر مما ينبغي تجاه عنجهيات نظام الملالي، مما فتح شهيته لمزيد من العبث ونشر الفوضى، وساعد على ذلك أيضا سياسات بعض الحكومات الغربية التي غضت الطرف عن كل هذا الإرهاب والتطرف والطائفية المدعومة من طهران، وأخذت تلك الدول تلهث خلف المصالح الاقتصادية الأمر الذي فهمه النظام الإيراني جيدا، واستمر في عبثه الممنهج دون أن يكترث بما يخلّفه من دمار وقتل وتعذيب، ربما كانت نماذج يحتذى بها من التنظيمات الإرهابية كالقاعدة وداعش وأخواتها. 
إن المنطقة تعيش أخطر مراحلها التاريخية، وليست في حاجة لمزيد من الحروب والحرائق، ولكن هذه الحقيقة ربما أسهمت في العبث الإيراني وزاد من عنجهيتها، وبالتالي قد يرى كثيرون أنه حان الأوان للوقوف بحزم في وجه كل هذا العبث. 
من المعروف أن سياسات التعامل مع هذا الواقع مرت بمرحلتين: الأولى، كانت الشجب والاستنكار للتدخلات الإيرانية ونشر الطائفية والإرهاب، وإن كان في بعض الحالات على استحياء. والثانية: مرحلة الدفاع عن النفس، والدفع ضد المشروع الإيراني منذ انطلاق عمليات عاصفة الحزم. 
واليوم، ومع استهداف الصواريخ الإيرانية للعاصمة السعودية الرياض، ومحاولة طهران عبر أدواتها في اليمن، وضرب مواقع مدنية مثل مطار الملك خالد الدولي، فإنه لم يتبق إلا مرحلة قد نجد أنفسنا مضطرين إليها، إذا استمر السلوك الإيراني، ألا وهي دخول المرحلة الثالثة والحاسمة من التعاطي مع النظام الإيراني، وتتمثل هذه المرحلة بمعاملة إيران بالمثل، «السن بالسن، والعين بالعين والبادي أظلم» كما يقال. 
وعلى الجميع أن يدرك حقيقة واحدة، وهي أن الحوثي في اليمن وحزب الله في لبنان والميليشيات الطائفية في العراق، لا تستطيع أن تعطس دون أخذ الإذن والمباركة من طهران، فكيف بالقيام بإطلاق صواريخ أو التهديد باستهداف الملاحة الدولية في مضيق باب المندب.