محمد نور الدين

تشكل المسألة الكردية منذ مئة عام تحدياً قوياً للبيئة المحيطة بها، بل ربما التحدي الأقوى والأطول عمراً.
ورغم أن العرب والمسلمين يواجهون مخاطر أكبر بكثير وفي مقدمها تأسيس «إسرائيل» لكن المسألة الكردية لم يتم التعاطي معها بالمسؤولية الوطنية أو الحقوقية الضرورية.
وإذا كانت هذه المسألة مطروحة بقوة في الدول حيث يتواجد الأكراد، ومع تحصيل الأكراد في العراق درجة عالية جداً من استقلال الهوية والكيانية السياسية فإن علاقة تركيا بالأكراد تبقى الأكثر تعبيراً عن العجز بل عدم الرغبة في حل هذه المسألة.
وقد ظهرت الأسبوع المنقضي أخبار صحفية تركية عن أن تركيا وإيران قد اتفقتا على القيام بعملية عسكرية مشتركة ضد قواعد حزب العمال الكردستاني في منطقة جبال قنديل عند المثلث التركي- الإيراني- العراقي وأن رئيسي أركان البلدين ينتظران التوقيت المناسب للتحرك.
فبعد حوالي القرن من بدايات التمرد الكردي لا تزال تركيا تواجه مأزقاً مباشراً مزدوجاً، أحدهما في الداخل التركي والثاني في سوريا، فيما يمكن وضع المأزق المتعلق بشمال العراق في إطار إقليمي ودولي أوسع.
في الداخل التركي أعادت سلطة حزب العدالة والتنمية تعريف «الإرهاب» ليشمل كل من يتعاطف مع توجهات حزب العمال الكردستاني. وعلى هذا الأساس اعتقلت أنقرة معظم قادة حزب الشعوب الديمقراطي الكردي ومعظمهم نوابه في البرلمان كما اعتقلت معظم رؤساء البلديات الكبرى في المناطق الكردية مثل ديار بكر وماردين، وعينت الحكومة أشخاصاً من قبلها لإدارة هذه البلديات بحيث أن أكثر من ثلث الناخبين في تركيا يدارون الآن من قبل رؤساء بلديات غير منتخبين. أما المحاكمات فيبدو أنها لن تنتهي قريباً وقراراتها مرتبطة بالحسابات السياسية الانتخابية. بحيث تأتي الانتخابات البلدية في العام القادم ومن بعدها الانتخابات البرلمانية والرئيسية والحالة الكردية فاقدة لقياداتها الأساسية وضعيفة، فيضع حزب العدالة والتنمية يده على الأصوات الكردية مع العمل الدؤوب لمنع الحزب الكردي من نيل العشرة في المئة المطلوبة لدخول البرلمان. وبذلك يبقى الأكراد خارج البرلمان وتزداد أصوات حزب العدالة والتنمية عن حقيقتها نظراً لتجيير الصوت الكردي الخاسر وفق القانون إلى الأحزاب الأخرى.
أما في الشق الخارجي السوري فقد عادت نغمة أنقرة في اعتبار حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الذي يدير مناطق واسعة في شمال سوريا بدعم أمريكي على أنه حزب إرهابي وتابع لحزب العمال الكردستاني.
وفي هذا الإطار رفضت أنقرة أن يتمثل أكراد سوريا في مؤتمر الحوار الذي اقترحته موسكو في سوتشي هذا الشهر. وأدى ذلك إلى رضوخ روسيا فعملت على تأجيل المؤتمر من دون أن يعرف ما إذا كان سيعقد وفق الشروط التركية أم لا.
أيضاً، فإن أنقرة تواصل منع اللقاءات عن زعيم حزب العمال الكردستاني المعتقل في تركيا عبدالله أوجلان. وهو منع مستمر منذ منتصف العام 2015 خلا لقاءات محدودة جداً ومتباعدة. وهذا المنع يستنفر الأكراد في تركيا كما في الدول الأوروبية ويشكل إحدى نقاط الخلاف بين تركيا والدول الأوروبية.
بعد استفتاء 16 أبريل/ نيسان2017 على تعديلات دستورية تمنح رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان صلاحيات مطلقة فإن العمل الآن جارٍ على توفير الظروف اللازمة ليحقق أردوغان، بعدما عاد رئيساً للحزب إضافة إلى رئاسة الجمهورية، انتصاراً مثلثاً في: الانتخابات البلدية والنيابية والرئاسية. واستمرار العمل على خطاب متشدد قومي ضد الأكراد هو من أدوات هذه الخطة لأن خطاب الاستقطاب القومي والمذهبي كان من الأدوات الناجحة في معارك أردوغان الانتخابية السابقة.
وبهذا التكتيك الانتخابي تسقط المسألة الكردية ضحية الحسابات السلطوية. لكن حلها ساقط أيضاً منذ مئة عام بسبب سياسات إنكار هذه الهوية وهذا لبّ المشكلة.