جاسر عبدالعزيز الجاسر

حاول حليف حسن نصرالله «ميشال عون» -الذي نصب رئيساً لجمهورية لبنان بمساعدة البندقية الإيرانية الممثلة بسلاح حزب الله- اعتبار استقالة سعد الدين الحريري تغيباً، ورغم أنه يعي تماماً نص الدستور اللبناني، وأن العرف والتوازن المعمول به منذ الأيام الأولى للاستقلال أنه رئيس السلطة التنفيذية، ومسؤول أو على الأقل مشارك فيما يجري في لبنان، وعلى الرغم من كل ما قام ويقوم به عون وحسن نصرالله وتواطؤ نبيه بري، فإن سعد الدين الحريري ليس بمعزل عما يشهده العالم من متغيرات، ومن استحقاقات وجب تنفيذها، وبالذات في المنطقة العربية ومنها لبنان بالتحديد.

فالحريري يعلم بأن الوقت قد حان، وأن الأيام بدأت تُعدّ لمحاسبة إيران على جرائمها الإرهابية وتدخلاتها في الدول العربية ونشر الإرهاب والفتن الطائفية في المنطقة، وأن الحساب الذي سيكون بمثابة العقاب سيتجه أولاً إلى أذرعتها الإرهابية وأدواتها، بمن فيهم حلفاؤها السياسيون والمتكسبون سياسياً ومالياً من الهيمنة الإيرانية.

وبما أن الحديث يخص لبنان، فإن الجميع متفق على أن الذي أوصل لبنان إلى حالة التبعية لحكم ملالي إيران، وجعله «مكتباً» متقدماً للنظام الإيراني، هو تضخم دور حزب الله عسكرياً وسياسياً، والذي اتسعت دائرة تأثيره بشراء ذمم ومواقف شخصيات وأحزاب سياسية معينة.

وإذا كان وقوف الأحزاب التي ساندت نظام بشار الأسد متوقعاً ومفهوماً، إلا أن انحياز ميشال عون وتياره إلى «جوقة» عملاء النظام الإيراني مستغرب؛ فقد عزز من استلاب لبنان، وجعله «دويلة» ضمن الدويلات التي تدور في فلل حكم ولاية الفقيه، إذ يعد الآن حسن نصرالله هو المرجع الأعلى للحكم في لبنان، وتم إرضاء غرور عون بتسهيل تنصيبه رئيساً لهذه «الدويلة».

إذن كان الهدف لإنهاء هذا الوضع الشاذ هو مواجهة حزب الله وحلفائه في لبنان، وتجريدهم من «ثياب التحصين»، والتي كان أولها وجود ممثل قوي للضلع الثالث في معادلة التوازن المجتمعي في لبنان، فبالإضافة إلى ممثل المسيحيين المختطف من قبل عون، وممثل الشيعة بوجود «الحاكم بأمره» حسن نصرالله وتواطؤ نبيه بري الذي لا يجرؤ على المعارضة، وضعف المراجع الشيعية والشخصيات السياسية التي آثرت السلامة حتى لا ينالها أسلوب حزب الله «الاغتيال»، تم التفاهم مع سعدالدين الحريري كممثل للسنة، إلا أن الحريري فهم ما يراد منه بأن يكون دوره دور «المحلل» لأفعال ما ينفذه من يديرون لبنان، وهو دور لا يمكن أن يقبله ويقوم به ابن رفيق الحريري، الذي فهم بأن الذي يعطل ويؤخر عقاب من اختطف لبنان وتحجيم دوره هو بقاؤه ضمن دائرة الحكم، وأن هذا البقاء يغطي وجود وزراء لحزب الله، ويغطي حتى أفعال رئيس الدولة ووزير خارجيته الذي جعل القرار السياسي الخارجي للبنان في خدمة النظام الإيراني.

وهكذا أنهى الحريري ارتباطه بالفاسدين الذين سرقوا لبنان وحولوه لدويلة تابعة لمرجعية ولي الفقيه، وهو ما سرَّع إجراءات محاسبة عملاء إيران في لبنان، والأيام حبلى بالمفاجآت، فهل تُقتصر المحاسبة على العزلة ومقاطعة لبنان سياحياً؟ أم تمتد المحاسبة إلى التأديب العسكري؟.