بينة الملحم

جميلةٌ هذه التداعيات بإطلاق عدد من الجهات للجان تكافح الفساد على إثر لجنة مكافحة الفساد وإجراءاتها.

ففي تعزيز قيم النزاهة ومكافحة الفساد ثقافياً قدّمت قبل بضعة أعوام ورقة بحثية توصلت فيها أن التأسيس لثقافة تقوم على الإدراك بعمق ثقافة مكافحة الفساد ليس من منظور الوعي فقط بل ومن المنظور التنموي، من حيث إن ظاهرة الفساد لا تقتصر في تداعياتها على ما تفرزه من سلبيات على قطاع معين من المجتمع، وإنما تمتد آثارها لتشمل كافة أفراده، وهذا ما يبين على قدرتها التغلغل في كل قطاعات المجتمع، فالفساد إذن ظاهرة لها تأثير مباشر على اقتصاد الدولة باعتبارها تعرقل عجلة التنمية، إضافة إلى كونها تؤدي إلى اختلال التركيبة الاجتماعية للمجتمع، كما تؤدي إلى اعتياد الأفراد لسلوكيات يلفظها كل مجتمع ينشد المحافظة على ما بني عليه من قيم ومبادئ، ناهيك عن تأثيرها على الحياة السياسية حيث تختل قواعد المكونات السياسية للدول من خلال بروز أنظمة وإجراءات غير قانونية معتمدة على سيطرة رأس المال ونشر الرشوة والواسطة ومخالفة الأنظمة.

في قضية الفساد هناك منطلقات كثيرة يمكن التحدث عنها ولكن من وجهة نظري الفساد لا يعني عمليات إهدار المال العام فقط أو استغلاله بطرق سلبية، الفساد عملية اختلال في الأخلاق أيضاً يدفع المجتمع ثمنها غالياً وتكون نتيجتها إهدار المال العام، وانهيار منظومة القيم المجتمعية وانحسار التنمية وفساد إجراءاتها.

المثقف والمثقفة معاً كما يبدو لي في هذا الجانب يجب أن يتجاوز دورهم للفكرة الوعظية في محاربة الفساد فهم يدركون الحقيقة الكاملة حول الفساد فالتقليل من خطر الفساد عملية تبريرية يحصد المجتمع ثمنها تدريجياً كما أن التهويل في وجوده عملية تخلق التطرف والمبالغة، لذلك يجب أن يلعب المثقف دوراً أخلاقياً وقيمياً مرتبطاً بحيوية المثقف الكاملة ومشاركته في أنشطة المجتمع الثقافية والمدنية لمحاربة الفساد.

ويبقى السؤال: من هو المثقف في مجتمعنا الذي يقود مكافحة الفساد من خلال مساهمة فكرية واضحة؟

من وجهة نظري أن كتابة مقال أو إلقاء محاضرة حول مكافحة الفساد ليس هو المطلب الوحيد لتحقيق دور بارز للمثقف السعودي الذي ينتمي إلى منظومة فكرية تساهم في إعادة توجيه المجتمع وبناء أسسه المؤدية إلى تكريس الوعي لديه.

المثقف كمُنتِج للثقافة المجتمعية؛ أو موجّه للرأي العام، خصوصاً في دوره كمنتج رئيس للإيديولوجيا الاجتماعية الشفوية وهي: "القانون غير المكتوب الذي يحكم وينظم ردود الأفعال اللفظية والسلوكية لدى الأفراد، وتكمن خطورتها في استشرائها وتغلغلها في عمق الوجدان الشعبي واللاشعور الجمعي إلى الحد الذي تصعب معه إمكانية حصرها ضمن نطاق معين، وبالتالي فإن التصدي للجانب السلبي منها عبر حزمة من القوانين أو الأنظمة قد يبدو مستحيلاً، وهو ما يتطلب عادة الاكتفاء بالعمل الحثيث على تفكيك حلقات الجانب السلبي من منظومة الثقافة السائدة بهدوء، وإعطاء عامل الزمن الفرصة الكاملة ليفعل فعله على صعيد التراكم الكمي والتراكم النوعي.

لذلك فإن الإعلام عليه أن يلعب دوراً مهماً في عملية ازدراء الفساد والمفسدين اجتماعياً وإشاعة ثقافة التصدي لهذه الظاهرة، كما أن المجتمع يمتلك قوة الردع لها إذا استخدم الوسائل المناسبة التي يمتلكها، فالإعلام له قوة اجتماعية واقتصادية مهمة في المجتمع، وهي قوة رئيسية في تشكيل الرأي العام، وبالتالي له تأثير قوي على الجهود الوطنية، كما أن الإعلام يؤثر بشكل مباشر على أفراد المجتمع من خلال قدرة وسائل الإعلام الوصول إلى فئة كبيرة من المجتمع تنطلق من قدرتها في مخاطبة جماهير عريضة في وقت واحد، وهذه خاصية من خصائص الإعلام الجماهيري بما يمكن معه التوجيه الجماعي نحو هدف أو قضية معينة واستنهاض الرأي العام لعمل ما سلباً أو إيجاباً وبث مشاعر معينة تحرك الجماهير نحو سلوك أو قرار محدد، وكما هو معروف عن مجتمعاتنا أنها مجتمعات عاطفية فنجد وسائل الإعلام تحاول أن تستميل الجمهور لصالحها عن طريق تحريك مشاعر العاطفة لديهم.