أحمد الفراج

 مراكز البحوث والدراسات، في الدول المتقدمة، هي الدوائر التي تستقطب أهل العلم والفكر الأكفاء في شتى المجالات، وهي المخزن الإستراتيجي للأفكار، التي يستنير بها صانع القرار، وهي غالباً مستقلة، ولكن يتم دعم بعضها حكومياً، لأنّ الحكومة هي المستفيد الأكبر من نتاجها، وقد جرت العادة أن يستقطب الساسة، الرئيس أو رئيس الحكومة، بعض مستشاريهم من هذه المراكز، ثم يعود المستشارون لمراكزهم بعد نهاية فترة هذا السياسي أو ذاك، ومعظم القرارات التي يتخذها الساسة الغربيون، تجاه معظم القضايا، تكون مبنية على دراسات طُبخت في هذه المراكز المرموقة.

بعد أحداث سبتمبر في عام 2001، شعر الساسة الغربيون أنهم في أمسّ الحاجة إلى معرفة المزيد عن الإسلام والعالم الإسلامي، وعن الحركات والتنظيمات الإسلامية، فاستعانوا بمراكز البحوث والدراسات، وبعد سنوات من العمل، كانت النتائج مذهلة، وأذكر بهذا الصدد أنني قابلت أكثر من باحث غربي، وقد ذهلت من كمّ المعلومات التي يعرفونها عن الدين الإسلامي، وعن المذاهب والتيارات الدينية، لدرجة أني شعرت لوهلة أنهم يعرفون من التفاصيل أكثر مما يعرف معظم المسلمين، ولا شك أنّ هذا كان نتيجة جهد جبار، لا يمكن أن يقوم به السياسي، بل الأكاديمي الباحث المتمكن، ولك أن تتخيل التوصيات التي رفعتها هذه المراكز لصنّاع القرار في الغرب، تفادياً لأحداث إرهابية مماثلة من جهة، وعن كيفية التعامل المثلى مع الدول الإسلامية، ومع المسلمين عموماً، خصوصاً من يقيم منهم في العالم الغربي.

وهنا أتساءل عن عدد مراكز البحوث والدراسات في العالم العربي، وفي الخليج والمملكة على وجه الخصوص؟!، ولعلكم تعرفون الإجابة مسبقاً، فهي محدودة جداً، لدرجة أنك تستطيع حصرها في أصابع اليد الواحدة، هذا فضلاً عن كفاءة القائمين عليها، حيث المحسوبية تضرب أطنابها في معظمها ، في مجال يفترض أنه لا مجال فيه للمجاملات، وفي تقديري أنه حان الوقت لتأسيس مراكز دراسات وأبحاث، على غرار مثيلاتها في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، وفي حال عدم وجود كفاءات وطنية كافية لتشغيل هذه المراكز، فيمكن الاستعانة بكفاءات أجنبية متميزة، فمراكز البحوث الغربية تستقطب الكفاءات من كل أنحاء الأرض، والمعيار هو الكفاءة، والكفاءة فقط، دون أي اعتبار للجنسية، وهذا هو سر تميز هذه المراكز، وقد قطعت دولة الإمارات، على سبيل المثال، شوطاً لا بأس به في هذا الخصوص، فهناك أكثر من مركز دراسات إماراتي متخصص، بدأت صغيرة، واستطاعت أن تشق طريقها بثبات، وتكسب سمعة عالمية، والخلاصة هي أننا بحاجة ماسة، وأكثر من أي وقت مضى، لتأسيس مراكز دراسات متخصصة، وهي الأمر الذي سيكون داعماً رئيسياً لسياسات المملكة، ولرؤيتها 2030، فهل نفعل؟! .. أتمنى ذلك.