مصطفى الصراف

النأي بالنفس هو قاعدة ومبدأ أزلي، أتى ضمن ما أوصى به الخالق عز وجل لعباده من البشر ضمن مجموعة من المبادئ التي أودعها من استخلفه الأرض، كسنن يميز فيها بين الحق والباطل، فيحافظ على أمانته ويعمر الأرض، فينأى بنفسه عن كل ما هو ضار، كالقتل والكذب والموبقات والرذائل، ويتعرّف على كل ما هو مفيد له ولغيره، ولكن في نفس الوقت لا يفرّط في ذاته، فألهمه الحفاظ على كيانه وكرامته، حين أودع في نفسه فجورها وتقواها، ففجّر فيه ملكة الدفاع عن النفس وعن الغير بالحق، وهو ما نعبّر عنه بالدفاع الشرعي.
ومنذ فجر التاريخ وبداية القوانين والشرائع البشرية، عرف الإنسان مبدأ العين بالعين والسن بالسن والبادي أظلم، ونجد لهذا المبدأ أصوله في كل الشرائع السماوية، ومنها انتقل إلى كل القوانين بين الأفراد والأمم. فلا يعني مبدأ النأي بالنفس أن نقف سلبا عن الدفاع عن أنفسنا أو حقوقنا أمام المعتدي عليها. بل يجب ردّ الاعتداء بمثله لا أكثر منه قوله تعالى: «فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم»، وفي نفس الوقت قال تعالى: «ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين».
وسار القانون الدولي على هذه القواعد التي كانت سائدة بين الأفراد على سائر أفراده من الدول، ولقد ضمنت هذه القواعد بالدساتير ومنها دستور دولة الكويت، الذي نص على مشروعية الحرب الدفاعية وحرّم الحرب الهجومية، وهو ما يعني النأي عن الاعتداء والتدمير، وهذه كانت سياسة أجدادنا مؤسسي هذه الدولة حكاما ومحكومين سائرين بتقوى الله.
إن سياسة النأي بالنفس تعني عدم الاعتداء على الغير أو الانزلاق إلى جانب المعتدي الظالم، ولا تعني السكوت عن الدفاع عما هو حق وعدل. وإذا كان اليوم العالم منقسما إلى محاور متصارعة، فسياسة النأي بالنفس تحتم علينا موقفا ايجابيا إلى جانب الحق بما يتوافر لنا من قدرة، وليس أكثر قدرة من الحكمة، وهي السلاح الذي وهبه لنا البارئ عز وجل، ولجأت إليه الكويت في القيام بأدوار الوساطة وكبح مزالق الخلافات، سواء بين دول الخليج أو دول المنطقة، مع الوقوف في نفس الوقت إلى جانب الحق الفلسطيني أيضا، لأنه في قضيته ظلم واضح قد وقع عليه، وهذا لا يتعارض مع مبدأ النأي بالنفس، بل هو مقتضاه ولا ينبغي الخضوع لأي نوع من الضغوط التي تحاول أن تثنينا عن مبادئنا التي نسير عليها إرضاء لله تعالى بما شرعه.
إذ ليس النأي بالنفس أن ننأى عن محور لنقع في أحضان محور آخر معادٍ له، كما يدّعي البعض، تبريراً لمعاداة خصومهم السياسيين، فقد قال تعالى: «يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء».