يوسف الكويليت

قيادة العالم الإسلامي، ليست مناصب أو توريث وظائف بل مهمة كبيرة، لذلك أصبح تقليدياً أن من يدير الحرمين الشريفين، هو من يحظى بهذا التكليف ويسعى إلى أن يكون المعتمرون والحجاج والزوار يسعدون بأيامهم ولحظاتهم، لكن الصعوبة لا تأتي من بعد أو قصر المسافات، بل التنوع البشري بثقافاته، وتقاليده ونسب الوعي والجهل وتعدد المذاهب، وضغط المكان والزمان، ومن هنا أصبحت المعاناة ليست بالتكاليف المادية والاستعدادات الأخرى بتأمين الأمن، والطعام والشراب، والدخول والخروج من كل المنافذ بالحرمين الشريفين، وإنما وضع الاستراتيجيات الشاملة لإدارة الحشود، والعمليات التي تبدأ من نهاية كل عام للحجاج والمعتمرين البدء بجرد التجربة السابقة لتلافي السلبيات والتركيز على الإيجابيات، وهي استعدادات تشارك فيها معظم دوائر المملكة بحرفية متناهية..

الإسلام السياسي، سواء ما جاء عن فشل معظم الدول الإسلامية بالتنمية أو «أدلجة»الدين لصالح أحزاب أو فئات، ودول، أو ما نشأ عن تفسير تعسفي له بإسلام شيعي أو سني وفصائل أخرى دخلت سوق المزايدات السياسية، هي نتاج طبيعي لسلسلة الخيبات التي عمت العالم الإسلامي، وحولته إلى فوضى عارمة وطرح خيالات لا تستقيم مع الواقع، مثل الخلافة، والحاكمية وجهاد الكفار، في زمن تفوق فيه من نقول عنهم أعداء، إلى مالكي القوة المحركة لكل العالم في جميع الأنشطة السياسية والاقتصادية، لكن وجود حركات إسلامية امتلكت السلاح وبعض المال لتؤدي دوراً عن علم أو جهل بطبيعة الصراعات العالمية وتوجيه مثل هذه القوى بخلق الحروب بالنيابة والعمل على تقويض الأنظمة ونشر الإرهاب، أدى إلى قرع أجراس إنذار، عن مشكلة الأمن العالمي في ظل الانتشار المخيف للفصائل الإسلامية المتطرفة..

الآن لم يعد الدور لمن يقود العالم الإسلامي بتشكيلاته المتصارعة والغائبة عن الواقع، بل كيف نعالج هذا الخلل الكبير، وهل يكون ذلك بإصلاحات داخلية تراعي الفوارق والقضاء على الفساد، والتوجه نحو الدولة الحديثة دون إلغاء لهويتها العربية أو الإسلامية وعدم التسامح مع نشر العداء المذهبي أو غيره، ثم التوجه للعالم بطرح الحوار المفتوح للأديان والعلاقات الاجتماعية بين الشعوب، وهو ما تقوده المملكة منذ أزمنة بعيدة، وعقدت له مؤتمرات ولقاءات ومراكز، ولكنها اليوم، تتجه بجدية، إلى تأصيل هذا العمل من أفق أنها الدولة الإسلامية الأولى حاضنة الحرمين، والقوة الأساسية في تشكيل وعي جديد في إسلام وسطي لا مجال فيه للعنف والتحزب أو التجزئة المذهبية والطائفية، وعداء الآخر؟.

الذهاب إلى مواقع دينية مثل الفاتيكان أو الزيارات لرموز دينية مسيحية أو لقاءات مع أصحاب الديانات الأخرى، الطريق الوحيد لفسح المجال لخلق سلام مختلف عن تسييس الدين، وبالتالي أصبحت المملكة هي من تقود رحلة الحوار الطويل وفقاً لاعتباراتها الإسلامية جاعلة من نفسها النموذج لمن يريد أن يتعايش مع أمم وحضارات لا مجال فيها للحروب والصرعات..