حامد الحمود 

لم يكن الزميل والصديق أحمد الصراف موفقاً في أسلوبه نحو «الإخوان» في مقاله «سرطان الإخوان»، الذي نشرته القبس بتاريخ 2017-11-09. هذا ومع اتفاقي مع الزميل الصراف بأن «الإخوان» ارتكبوا أخطاءً في ممارستهم العمل السياسي في الكويت، ولعبوا دوراً مهيمناً في مؤسسات ووزارات وجمعيات أدى إلى تراجعها وتخلف رؤاها، إلا أنه يبقى أنهم كتلة اجتماعية وسياسية في المجتمع الكويتي. وهناك الآلاف منهم من المخلصين الذين يؤدون أعمالهم في مؤسسات عامة وخاصة. ومنهم مميزون من أطباء ومهندسين وأكاديميين ورجال أعمال.


وأرى أن حساسية «أبو طارق» من «الإخوان» في العالم كله مبالغ فيها. فبعد سقوط الخلافة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى، كان لا بد أن يظهر تنظيم سياسي يحاكي أحلام الخلافة ويحلم بتحقيق بديل لها. لو لم يكن ظهر حسن البنا في مصر، لظهر غيره في المغرب أو سوريا أو في مصر نفسها. والأخطاء التي ارتكبها «الإخوان» في منهجهم السياسي، إن كان في مصر أم في غيرها، لا تعني أنهم يتحملون فشل المشروع التحديثي العربي. «فالإخوان» لم يسيطروا بالدبابات على محطات الإذاعة، لا في بغداد ولا في دمشق ولا حتى في مصر. بل إن «الإخوان» كانوا ضحايا أحياناً لهذه الأنظمة. فكانوا ضحايا لنظام الأسد الذي نكَّل بهم في الثمانينات، كما زج بهم بالسجون في بغداد والقاهرة ومدن عربية أخرى. وحتى الرئيس السيسي بدأ يعطي إشارات بأن المصالحة مع الإخوان ضرورة لاستقرار مصر، معلناً منذ أيام أن المصالحة معهم هي قرار للشعب المصري.


أرى أن حساسية الليبراليين في الكويت، خاصة من «الإخوان» أو غيرهم من التنظيمات أو الميول الإسلامية، ترجع إلى حد كبير إلى هيمنة وحضور التيارات الإسلامية في المجتمع، واللذين يرجعان إلى سهولة جذب الشباب إلى هذه التيارات الإسلامية مقارنة مع صعوبة جذبهم إلى تيارات ليبرالية تحتاج قراءة وتثقيفاً وربما نقدَ قيم مجتمعية سائدة.
وتفاقمت الصعوبة بعد ضمور الفكر القومي واليساري.
لكن التيار الليبرالي في الكويت هو نفسه بحاجة إلى أن ينمو فكرياً، والذي لا يمكن أن يتحقق من دون حوار مع هذه التيارات الإسلامية. هناك هموم مشتركة يهتم بها الجميع، ويتحمل عبء المعني في حلها الجميع. لو أخذنا مشكلة ما مثل تدهور مستوى التعليم في الكويت، فلا بد أن يكون هناك حوار مفتوح بين جميع التيارات للبحث أو ايجاد مخرج من هذا المطب. وفي هذا المجال، لا بد من التيارات الإسلامية، بمن في ذلك «الإخوان»، أن يفصحوا لقواعدهم أن دورهم لم يكن ايجابياً عندما يكون الحديث عن التعليم. فتقدم الأمة الإسلامية لا يتم بتحويل مناهج اللغة العربية إلى دروس دين. كما أن المسابقات الرياضية والمسابقات في العلوم والرياضيات لا تقل أهمية عن مسابقات حفظ القرآن الكريم.
ولربما علينا أن ندرك جميعاً، ليبراليين ومنتمين إلى تيارات إسلامية، أنه إن كان الإسلام إيماناً بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم، والتزاماً بالصلاة والصيام والزكاة والحج، فإن الحضارة الإسلامية هي أشمل من ذلك. فالحضارة الإسلامية هي الحرف العربي والخليل بن أحمد وسيبويه، وأبو الأسود الدؤلي وواصل بن عطاء والكندي وابن الهيثم ومئات العلماء في اللغة والعلوم. وحتى ابن تيمية وعمر الخيام هما جزء من هذه الحضارة التي ساهم في تكوينها العرب والفرس والأكراد والأتراك. وهذه الحضارة الغنية والفكر الإسلامي يمكن أن يأتيا بدولة قرطبة المتفتحة التي جمعت المسلمين والمسيحيين واليهود. كما يمكن تحت ظروف سياسية معينة أن يأتيا بدولة أبي بكر البغدادي. ومن سوء حظنا نحن العرب والمسلمين أننا أصبحنا أكثر وعياً بدولة أبي بكر البغدادي التي استمرت ثلاث سنين من دولة قرطبة التي استمرت 500 سنة. كان عليَّ أن أقرأ للأستاذة في جامعة ييل الأميركية المرحومة ماريا روزا مينوكال، لأعرف مدى التسامح الديني لهذه الحضارة الإسلامية.
والليبراليون سيكونون خاسرين، إن ظنوا أنهم يمكنهم التفوق على الثقل الذي يحتله الوعي الإسلامي في عقول وعواطف الشباب العربي. ورهانهم أن الصحوة الإسلامية في طريق الاضمحلال سيكون رهاناً خاسراً كذلك، حيث إن «الإخوان» يشكلون حكومة في المغرب، ولديهم الثقل الأكبر في مجلس النواب التونسي، والنسخة التركية من «الإخوان» ممثلة بحزب التنمية والعدالة تحكم تركيا. كما أن «حزب الدعوة» الذي يعتبر النسخة الشيعية من تنظيم «الإخوان» يحكم العراق. وقد يستغرب القارئ علاقة «الدعوة» بـ«الإخوان». فالعلاقة ليست تنسيقية وإنما الأصول واحدة. فعندما بدأ تنظيم «الإخوان» ينتشر في العراق في الأربعينات من القرن الماضي، لم تكن له هوية طائفية، بل كان يضم أعضاء من السنة والشيعة. بل إن من قيادات «الإخوان» في العراق من كان شيعياً، وساهم في فترة لاحقة بتأسيس «حزب الدعوة» في ستينات القرن الماضي. فمن بين هؤلاء الشيعة الذين ساهموا في تأسيس «الإخوان» حسب رؤية حسن البنا، ثم ساهموا بتأسيس «حزب الدعوة» حسب رؤية محمد باقر الصدر، كان طالب الرفاعي ومحمد صالح الأديب. وفي هذا المجال أنصح القارئ بالرجوع إلى موقع islamist-movements.com الذي يديره عبدالرحيم علي.
أما انتقاد الزميل الصراف لـ«إخوان» الكويت لارتباطهم بالتنظيم الدولي للإخوان «بكذبهم» بفك هذا الارتباط، فأعتقد أن أسلوب الزميل أصبح أشبه بأسلوب المحاكمة. فكاتب هذه السطور لا يعتقد أن «إخوان» الكويت يأخذون أوامر من التنظيم الدولي للإخوان. ثم إذا كان هناك لقاء فكري أو حتى سياسي بين «إخوان» الكويت وبين «إخوان» العالم، فهذا أمر طبيعي. فـ«القوميون العرب» و«البعثيون» و«الشيوعيون» والأحزاب الشيعية، كانت لديها علاقات على مستوى المنطقة مع التنظيمات الإقليمية والأممية لهذه التنظيمات.
أما عن احتجاج الزميل الصراف على تنظيم «جمعية» لرحلات للعمرة وللمدينة المنورة، «وهذا نوع من الأنشطة السياسية المغلفة بالدين»، فهذا احتجاج غريب. ماذا تتوقع من «الجمعية»؟! هل تتوقع أن تنظم رحلة لزيارة متاحف أو أن تدعو الشباب إلى الانضمام إلى نوادٍ للقراءة أو إلى حضور منتديات ثقافية في رابطة الأدباء؟ فالجميع يعرف أن الثقافة هي ليست غذاء منتسبي «الجمعية». و«الإخوان» ليسوا نشطين في المجال الثقافي. وقياديوهم يعلمون أن تثقيف الشباب في الآداب والفنون، يؤدي إلى وعي قد يرفض افكار «الإخوان». لكن مع ذلك، فإن «الجمعية» لا تخالف لا قانوناًَ ولا عرفاًَ اجتماعياً بتنظيم رحلات للشباب إلى المدينة المنورة أو إلى مكة. وبشكلٍ عامٍ، فإن حضور «الإخوان» في المجال الثقافي ضعيف. فلا أذكر مثلاً أن من بينهم شعراء أو روائيين أو مميزين في العلوم الاجتماعية.
لكن من ناحية أخرى، أرى كذلك أن من أسباب نجاح «الإخوان» في الكويت هو الضعف النسبي للحضور الثقافي في المجتمع، مقارنة مع طغيان الحضور الديني والمادي. ففي الكويت لدينا صحف ليست فيها صفحات ثقافية. وإن تواجدت فمتابعوها قليلون.
مثل معظم الليبراليين، أتمنى أن يزدهر الوعي المتحرر المنفتح بين الشباب والمجتمع ككل. لكن هذا لا يتحقق بمعاداة التيارات الإسلامية المؤمنة بالعملية الديموقراطية، و«الإخوان» من بين هذه التيارات. وهذا هو سبب العداء لهم في بعض الدول المجاورة. ومثل معظم الليبراليين، أتمنى أن يتحول هذا المبنى العالي في منطقة مشرف «الذي يستكمل تطبيق الشريعة الإسلامية»، إلى مبنى لمجلة «العربي» التي لا مبنى لها. فلربما يدرك الكثير، ومن بينهم «الإخوان»، أن من يريد تطبيق الشريعة الإسلامية، فليفعل ذلك من خلال إرادة شعبية ممثلة بناخبيه في مجلس الأمة.
«الإخوان» هم جزء من مجتمعنا، وما من أحد فينا بمن فيهم زميلنا وصديقنا «أبو طارق»، من ليس لديه صديق، أو صديق لصديق من «الإخوان»، ومن القسوة أن نصفهم بالسرطان.
كل ما أتمناه أن يتحول هذا الحوار بالنبابيط (جمع نباطة)، الى حوار مجتمعي، يركز على المواضيع المشتركة من تعليم واسكان وايجاد فرص عمل للجيل القادم من الشباب. ولمن لديه اهتمام بتطوير التعليم لا بد أن يحاور «الإخوان»، وان يوجه لهم النقد بصورة موضوعية وبصراحة عند اعاقة هذا التطوير.