ثريا العريض

تتابعت محلياً وفي الجوار مستجدات كثيرة في الفترة الأخيرة, صدمت البعض وفاجأت البعض وأذهلت الجميع, خاصة فيما يتعلق بإجراءات تطبيق الشفافية ومحاربة الفساد.

خلال فترة عضويتي في مجلس الشورى كانت تقارير هيئة مكافحة الفساد تأتينا سنوياً تحمل تكرر شكواها من عدم تعاون بعض المسؤولين والوزارات بتقديم المعلومات المطلوبة, بالرغم من التعليمات العليا بضرورة ذلك. ما يجعل الهيئة مدرباً بلا سوط يعهد إليه بتدريب «نمور» اعتادت حرية التصرف على هواها، دون التزام بتقديم ما يوضح التفاصيل والأسباب.

لن أقول كما يتجرأ البعض ممن يستمرئ مازوشية جلد الذات أنّ الفساد مرتبط بخصوصيتنا بالذات, فهو انحراف أخلاقي عن السراط منتشر ومعروف في القارات الخمس وبكل مجتمعات العالم, المتحضرة منها والمتخلفة والنامية؛ يبدأ بميل بشري لتمييز النفس على غيرها, والتهاون في ردع ممارسة خدمة المصالح الذاتية, ويتمادى في التطبيق ليصل إلى عرف سائد يمنهج انتهاك حقوق الآخرين، أو الإضرار بالصالح العام وانتهاب ما لا يمتلك الفرد حقاً فيه. فالماديات تعمي النفوس عن تجريم ما تحلل من المحرم شرعاً وقانوناً وإنسانياً. لا يختلف في اقتراف ذلك جنس أو عرق. ولطالما سخّر المنصب المحصن لتحقيق مكاسب محرمة شرعياً أو دينياً وإنسانياً.

ما استجد من إجراءات تطبيق الشفافية يستحق مبدئياً التصفيق, والتفاؤل بحزم تطبيق الأنظمة على الجميع دون استثناء ومنع الفساد من استمرار تحقيق مكاسب مادية بصورة عرفية تتسامح مع الإضرار باقتصاد واستقرار الدولة والمجتمع.

ولكن بعض ما ينشر من التحليلات الغربية بالذات يرى غير ذلك ويصر على إطار تفسيرات مشخصنة, ومبنية على استقراء أحداث ماضية تستنتج توقعات مستقبلية سلبية. لا أستغرب ذلك فلا شك أنّ هناك - كما يؤكد المثل الغربي - طرفين في أي رقصة ثنائية كالتانجو. وفي أغلب الأحيان الطرف الأول مؤسسة محلية في بلد يشتري من الطرف الثاني. وأي جهة مصنّعة تبيع منتجاتها الغالية الثمن مستعدة لدهن سير من سيوقع الاتفاقية وعقد الشراء، بما يضمن لشركاتها أولوية الاختيار بين غيرها من البائعين.

وقد يكون الفساد بين طرفين في الداخل في صفقات بتفاصيل وهمية يستفيد منها الجانبان , كصكوك الأراضي التي ينتهي المحقق فيها إلى اتهام جن بعدم قانونيتها. جن ومشيرون يتلبّسون المشتبهين «الأبرياء» يفرضون عليهم ارتكاب الشائن ويظلون خارج المحاسبة.. حتى يكشف سترهم.

ولهذا ليس مستغرباً انعدام الشفافية وبترتيب مسبق وإصرار لاحق.

وكالعادة سينشر بعد حين التقرير السنوي من منظمة الشفافية العالمية، معتمداً مؤشر مدركات الفساد ليرتب الدول من حيث مواقعها في قائمة مقارنة ترتيبية من الأفضل 1 إلى الأسوأ 200 حسب ما يمارس فيها من محاربة للفساد الإداري. ولا شك أننا بعد الإجراءات الراهنة سنقفز إلى درجات أعلى في تقييم الشفافية وفرض النزاهة.

وأذكر أنه في تقرير أسبق ارتفع موقع المملكة العربية السعودية من الرتبة 63 في التقييم متحسناً إلى 50 في قائمة من 178 دولة. وفي حين رأى البعض في هذا تحسناً يدعو إلى الإعجاب رأى آخرون أنه سلبي عند التعمق في تفاصيل محيطنا الخاص مجتمعياً؛ أو كما علق يومها أحد الأصدقاء في الفيسبووك معاتباً من صفقوا: «.. تظل نتيجه غير مشرفة. بلد مسلم وثري ويحكم بالشريعة، يفترض أن يكون قدوة لكل دول العالم في قلة الفساد والشفافية التي تخدم الصالح العام.» قلت: ها أنت وضحتها يا أخي بكلمة «يفترض»! لعل ذلك يوضح أنّ ما يفترض ليس دائماً حقيقة لأنّ المثاليات التي نقدسها ونعلنها شيء وما نمارسه في التصرف كأفراد شيء آخر. مع حرصي على عدم التعميم فليس كل الأفراد مزدوجي المعايير..».