هادي اليامي

مؤتمر «متحالفون ضد الإرهاب» لا ينبغي أن يقتصر على مجرد تبادل وجهات النظر، بل لا بد من اتخاذ خطوات فعلية

تتجه الأنظار في السادس والعشرين من الشهر الجاري إلى الرياض، لمتابعة الاجتماع الأول لمجلس وزراء دفاع دول التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب، الذي تم الإعلان عن تشكيله أواخر العام قبل الماضي، لتوحيد وتنسيق الجهود الدولية لمكافحة التطرف، وتيسير سبل التعاون بين الدول الأعضاء والدول الداعمة، وتنفيذ مبادرات ضمن المجالات الفكرية والإعلامية والمالية. ويستمد الاجتماع أهميته من كونه يأتي في ظل ظرف دقيق تمر به المنطقة العربية والإسلامية، لاسيما في ظل اقتراب إعلان الهزيمة النهائية لتنظيم داعش في سورية والعراق، إضافة إلى تزايد التدخلات الإيرانية السالبة في شؤون دول الشرق الأوسط، وتأجيجها للنعرات الطائفية والمذهبية، خصوصا بعد محاولة اعتدائها السافرة على العاصمة السعودية، عبر إطلاق صاروخ باليستي من أراض تسيطر عليها ميليشيات الحوثيين في اليمن.


ويرى كثير من المحللين السياسيين أن التحالف الذي كانت تعوَّل عليه آمال كبيرة في أن يصبح أداة حقيقية وفعالة لهزيمة الإرهابيين ظل مجرد أمنية لم تجد طريقها إلى أرض الواقع، ولم يكن له دور ملموس في الأحداث التي تشهدها سورية والعراق، حيث ظل الدور الأساسي للتحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، إضافة إلى ما تقوم به روسيا، رغم ما للأخير من آثار سالبة تتمثل في دعم نظام الطاغية بشار الأسد، والأضرار الكثيرة التي تخلفها العمليات الجوية على السكان المدنيين، لاسيما في المدن والمناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية. وفي الوقت الذي كان ينتظر فيه الكثيرون أن يعلن التحالف الإسلامي عن نفسه بقوة، وأن يشارك بقوة في دحر التطرف، إلا أن الانتظار طال دون جدوى.


المطلوب خلال الاجتماع المرتقب أن يتم الحديث بشفافية، وأن تطرح المعوقات على طاولة البحث والنقاش، لاسيما أن الحضور هم من المعنيين بالجانب العسكري الفعلي، وليسوا من رجال السياسية الذين قد تتشعب بهم الخلافات الإيديولوجية، لذلك فإن التركيز ينبغي أن يكون على الجوانب الفنية، وألا ينخرط وزراء الدفاع في حديث يغلب عليه الطابع السياسي، وطالما أن هناك موافقات رسمية على تكوين التحالف، وتوافق على الأدوار التي يجب عليه القيام بها، وكيفية المشاركة في جلب الأمان والاستقرار للمنطقة، فإن ذلك يختصر كثيرا من الوقت والجهد. وبما أن هناك إجماعا بين الدول الأعضاء على الدور الذي ينبغي أن يلعبه التحالف، وهو هزيمة التطرف، والمساعدة في استئصاله من المنطقة، ومحاربة التيارات والتنظيمات الإرهابية، التي توجد مرجعية دولية تحددها، لذلك فإن الجميع ينتظر أن تنفض تلك الدول عن نفسها رداء التواكل، وألا تكتفي بمجرد الفرجة على الآخرين وهم يدخلون بلادنا ومنطقتنا بأسلحتهم وعتادهم العسكري ليهزموا عدونا المشترك، دون أن يكون لنا ولو مجرد إسهام في تحقيق ذلك الهدف، ومعلوم أن الآخرين لا يتطوعون من تلقاء أنفسهم لمساعدتنا في هزيمة عدونا بلا مقابل، بسبب ما سيترتب على ذلك التدخل من تكلفة عالية، ماديا وبشريا، بل يفعلون ذلك لتحقيق أهدافهم الخاصة، وزيادة مناطق نفوذهم في العالم، لذلك علينا أن نمسك بزمام أمورنا حتى لا نزداد انقساما وتشرذما بين مراكز القوى المختلفة.
كذلك ينبغي تفعيل الجهد الإعلامي والفكري لمحاربة التطرف، وتكثيف الدعاية المضادة للإرهاب، عبر بيان العقيدة الصحيحة، وتفنيد الشبهات والأكاذيب التي يرددها دعاة الفتنة، لأن ذلك مدخل رئيسي لهزيمة الغلاة كما ظللنا نركز كثيرا، إضافة إلى الاهتمام بالجانب الإعلامي، نظرا لما يلعبه من دور هام في هذا الصدد، والاستفادة من الإمكانيات الضخمة التي يتمتع بها مركز اعتدال، الذي تم تزويده بأفضل الكوادر البشرية وآخر ما توصلت إليه التقنيات الحديثة، ومواصلة تشديد الرقابة على القنوات التي يصل عبرها التمويل إلى المتطرفين، ومع أن الدول الإسلامية قطعت خلال الفترة الماضية شوطا طويلا في هذا الصدد، إلا أن التركيز انصب على داعش والقاعدة، على اعتبار أنهما أكبر التنظيمات الإرهابية، مع أن هناك تنظيمات أخرى مثل أنصار الشريعة وغيرها من التنظيمات التي تنشط في شبه جزيرة سيناء على وجه الخصوص، كشفت تحريات الأمن المصري أنها ما زالت تتلقى تمويلا خارجيا تستغله في شراء الأسلحة والعتاد.


كذلك فإن المؤتمر الذي يعقد تحت شعار «متحالفون ضد الإرهاب» لا ينبغي أن يقتصر على مجرد تبادل وجهات النظر، بل لا بد من اتخاذ خطوات فعلية، تعيد لدول المنطقة لواء محاربة الإرهاب، ولن يتم ذلك إلا عبر إجراءات تنفيذية فعلية على أرض الواقع، كأن يتم الاتفاق على المناطق التي تكتسب الأولوية للعمل عليها، والتنظيمات التي يتوجب التركيز على استئصال جذورها من المجتمع، وكيفية التصدي لمحاولات زرع الفتنة في دول منطقة الشرق الأوسط، عبر تأجيج النعرات الطائفية، ورفع كفاءة القوات المختصة بالتصدي للإرهابيين في الدول الأعضاء، وإمدادها بما يمكن أن تحتاجه من أسلحة ومعدات، وتبادل المعلومات بالسرعة التي تحبط تنفيذ المخططات الإرهابية، إلى غير ذلك من الأهداف التي تم التوافق عليها عند إعلان تشكيل التحالف.
ختاما ينبغي استثمار أجواء الاستنفار العالية داخل دول التحالف لهزيمة المتطرفين، والاستفادة من حالة الاستعداد الواسعة للإسهام في تحقيق تلك الأهداف، وهي الحالة التي بدت واضحة وجلية خلال إعلان الرياض الصادر في ختام القمة العربية الإسلامية الأميركية التي عقدت في الرياض خلال مايو الماضي، عندما أبدت تلك الدول استعدادها للمشاركة فورا في توفير قوة احتياط قوامها 34 ألف جندي، لدعم العمليات ضد المنظمات الإرهابية في العراق وسورية، عند الحاجة، وهي حالة ناجمة عن رسوخ قناعة الجميع بأن الإرهاب الذي توافق الكل على أنه لا دين ولا وطن له، بات هما يستوجب على الجميع التصدي له وهزيمته.