علي سعد الموسى

مع ساسة العرب لا يمكن لنظريات التحليل السياسي أن تقرأ الوقائع، ولا يمكن لها أن تتنبأ باتجاهات البوصلة إلى ما يمكن أن يكون. السياسي العربي يقول الشيء ثم يفعل نقيضه بالضبط. استمعنا في بث مباشر على عشرات الأقنية الإخبارية إلى الكلمة النارية للأمين العام للجامعة العربية، الأستاذ أحمد أبوالغيط، في افتتاح الجلسة الطارئة لمجلس الجامعة. تحدث معالي الأمين العام عن عصابة الحوثي وعن حزب الله وعن تهديد هذين التنظيمين الإرهابيين للأمن الوطني السعودي. ومن فم أبوالغيط سمعت لأول مرة، وأنا السعودي المعني بالأمر، ذلك الرقم الصادم الذي تلاه في كلمته من أن عصابة الحوثي قد أطلقت على السعودية ما يقرب من 4000 صاروخ، منها أكثر من ثمانين صاروخا باليستيا. تحدث معالي الأمين العام للجامعة العربية إلى لبنان الرسمي، وبلغة واضحة لا لبس فيها محذرا من خطورة ما يفعله حزب الله كذراع إيراني في اليمن والعراق وسورية، مضيفا أن هذا الحزب يجر لبنان وأهله إلى عواقب بالغة الخطورة. استمعوا إلى كلمة أبوالغيط فهي متاحة ومتوفرة قبل أن تواصلوا قراءة تساؤلاتي فيما تبقى من هذا المقال.
انتهى اجتماع مجلس الجامعة منتصف المساء. بيان إجماعي لم يتحفظ عليه سوى المندوب اللبناني. لم تكد أحبار البيان تجف إلا ونـحن نستيقظ صباحا على وصول أبوالغيط إلى بيروت ومن المطار إلى قصر بعبدا وإلى ميشال عون. لا أعلم لماذا ذهب إليه بكل هذه السرعة. إذا ما قلت إنه سينقل إليه رسالة الإجماع العربي، فالجواب أن البيان كان يكفي لأن يقرأ لبنان الرسمي هذه الرسالة.
لكن المثير للدهشة أن معالي الأمين خرج إلينا من بيروت بتصريحاته المضادة المتناقضة مع صلب وجوهر كلمته في الاجتماع وهو يقول بالحرف: لن نسمح بأن يكون لبنان مسرحا للصراعات الإقليمية، ولن نقف متفرجين عليه وهو يدفع ثمن هذه الصراعات. قمة التناقض أن يقول مساء في القاهرة جملة ثم يمسحها تماما في الصباح من بيروت. يعترف في المساء بعربدة حزب الله في اليمن والعراق وسورية وبتهديده العملي للسعودية، وبالأرقام من لسانه، ثم يذهب إلى ميشال عون فجرا لتهدئة مخاوف الزعيم الذي يرأس بلدا ثلث وزرائه بالضبط ينتمون لذات المكون الإرهابي الذي يهدد اليوم أمن ما لا يقل عن خمس دول عربية.
الخلاصة... لم أعد أفهم.