سمير عطا الله 

كان من علماء اللغة في لبنان خلال القرن التاسع عشر رهط كبير. وقلنا الرهط لأنها تعني العشيرة والمحبين. ومن أبرز السادة كان الشيخ ناصيف اليازجي وابنه إبراهيم، وعاشق العربية أحمد فارس الشدياق، أغنى أغنياء المفردة، على مدى ما أعرف، وعندما أريد أن أمتّع النفس في بساتينه وبين ينابيعه، لا بد أن يكون معي كتابه «الجاسوس على القاموس» لأن كل فقرة من نصوصه مثقلة كسنابل القمح بالكلمات التي ليست عند سواه إلا من أمثاله.


وقد تنقل الشدياق في البلدان يعمل في الترجمة والتنقيح والتصحيح. فعاش في مالطا التي كره ركاكة لغتها، وأقام في باريس ولندن وإسطنبول ومصر وتونس، التي أسبغ عليه حاكمها شتى مراتب التكريم.
ورغم أنه اعتاش من العمل في الترجمة، فقد كره ألسنة الأعاجم ودعا إلى مقاطعة كل ما هو بغير لغة التنزيل. وخالفه في ذلك إبراهيم اليازجي الذي كان يعتبر أن العربية أحصنَ من أن يؤثر في متنها دخيل. غير أن الحرب الكبرى بين اليازجي الابن والشدياق اندلعت غاراتها، عندما كتب الأخير مقالاً في رثاء اليازجي الأب، ملمحاً إلى أنه اختلف مع الشيخ ناصيف حول معاني وأصول كلمتي «فطحل» و«مرابض».
فالشيخ ناصيف كان يصر على أنهما «فحطل» و«مرابط». ورد إبراهيم مدافعاً ومهاجماً. فجنَّ الشدياق ورد قائلاً: «فإن الواقع هو تقديم (الطاء) على الحاء». وهنا أطال الكلام هذراً وهذياناً، فزعم أنه يلزمني أن أقول (فطحل) بفتح (الفاء) وسكون (الطاء) وفتح (الحاء)! لن يترك الشيخ إبراهيم هذه الحاء حاءة والفاء فاءة والطاء طاءة دون رد، فيبحث عن نقطة ضعف في مطالعة المعتدي وأبحاثه وسناده (أسانيده)، فيقول «... ومنشأ هذا السناد إنما هو اختلاف هيئة اللفظ بين قافية وأخرى، وقباحته مرتبة على مراتب هذا الاختلاف، فكلما بَعُدَ كان مكروهاً. ولذلك كان الجمع بين الضمة والكسرة أيسر منه بين إحداهما والفتحة».
من الممكن أن أعرض تفاصيل الحرب حول القوافي والفواصل وفتحة الطاء وسهولة الجمع بين الضم والكسر، في 50 حلقة بحجم هذه الزاوية على الأقل. عالمان استل كل منهما سيفاً من سيوف اللغة وقرر أن يدخل حرباً لا تنتهي إلا بأن يخر أحدهما صريعاً أمام كنوز الآخر. ولست أدري من انتصر! الفحطل بسكون الفاء أو الفطحل بسكون الطاء.