سعد بن عبدالقادر القويعي 

تآكل جغرافية تنظيم داعش الإرهابي، وانهيار هياكله -الإدارية والفكرية والإعلامية-، هو ما يؤكده واقع الضغط على داعش، الذي سيدفعه في النهاية إلى التغيير، من دون الوقوع في الخطأ الذي ارتكب مع المرحلة التي مر بها تنظيم القاعدة - الأم -، وذلك بعد مقتل - زعيم الإرهاب - ابن لادن؛ الأمر الذي يجب أن تكون بداية لحرب فعليّة فكريّة، ومنهجيّة؛ حتى لا تعود إلى تكوين خلايا اجتماعية متقاربة. وعلى الرغم من خطورة تلك المنظمات الإرهابية على السلم الاجتماعي، والنظام السياسي في المنطقة - بشكل عام -، فإنه لن يكون من الصعب ملاحقتها، والحد من نشاطاتها.

ما سبق بيانه من علاقة بين التنظيم، والحالة، والفكرة، والمآل، يؤكد على أن كل ما كان له بداية له منتصف، ونهاية، وتلك أطروحة شاركت فيها حملة «السكينة» التابعة لوزارة الشؤون الإسلامية، والدعوة، والإرشاد السعودية، في اللقاء المنعقد في جامعة الملك بلندن، وعرض تجربتها كإحدى التجارب العالمية الفاعلة في تعزيز الوسطية، وإزالة الشبهات، والتصدّي للأفكار، والمناهج المنحرفة المؤدية إلى العنف، والغلو، - إضافة - إلى معالجة التبدلات التي تشهدها الخريطة العسكرية الإرهابية؛ كونها بشكل، أو بآخر تُحاول تفادي أخطاء تجاربها السابقة؛ لأن الأهم هو ما سينجم عن اندحار داعش، وأخواتها على الصعيدين - الداخلي والخارجي -.

جغرافيًا، وإن كانت الإستراتيجيات ما زالت تواجه بعض التحديات، فإن تنظيم داعش يقترب من نهاياته في العراق، وسوريا؛ لكنه يمتلك فروعًا أخرى له في ليبيا، ومصر، وإن كان بالأصل أنها مجرد انهيارات، تساعدها على إعادة لملمة صفوفها المنهارة؛ للنهوض من جديد، - ومن ثم - فإن نهاية داعش لا تعني نهاية سياقات الأزمة، والتطرف كلية، وهو ما يؤكده الأستاذ هاني نسيرة؛ باعتبار أن بقاء الأسباب، والأزمات التي أنتجت داعش، يعني: بقاءها، وتجددها، سواء كانت حالة الترهل التي شهدتها بعض الدول بعد الانتفاضات العربية عام 2011، أو مبررات وجوده، كالتدخل الإيراني، والحماة الطائفية، أو بقاء بشار الأسد، وبالتالي يبقى شرط اختفاء النتائج، أو النهايات قائمًا، ومرتبطًا باختفاء الأسباب، والبدايات.

صحيح، أن التنظيم له أذرع منتشرة، وخلايا نائمة، ولذا فإن القضاء على الإرهاب نهائيًا، يكاد يكون نتيجة مستحيلة لإستراتيجيات مكافحة الإرهاب المعمول بها حتى الآن. وإن جاز لي أن أختم بشيء، فهي الإشارة إلى تغريدة المركز العالمي لمكافحة الإرهاب «اعتدال»، بأن بقعة في العالم لم تسلم من مخالب الإرهاب الذي شوه كل الأيديولوجيات المطروحة، ووظفها للعنف، والتطرف. وإذا كان التاريخ الحديث يذكر تنظيم طالبان الإرهابي، والقاعدة، وداعش، فإن صفحات كثيرة كتبت فيها نهاية جماعات إرهابية حول العالم بأشكال مختلفة، بعد أن قطع كل هذه المسافة من غياهب التاريخ إلى حقائق الجغرافيا.