محمد الحمادي

عندما نتمعن في أي عملية إرهابية فإننا نصل إلى حقيقة واحدة، وهي أن الإرهاب في العقول وليس في الأسلحة والبنادق والقنابل.. فالإرهاب فكرة وأساس الإرهاب العنف والتطرف في الأفكار والمواقف ورفض الآخر.. ثم نصل إلى مرحلة القتل والحرق وقطع الرؤوس بدم بارد، فلا يمكن أن يكون قد وصل الإرهابي إلى هذه الحال إلا بعد أن تخلّى عن كل القيم الإنسانية والدينية الحقيقية واستبدلها بالمنحرفة.

يذهب الإرهابيون في كل الاتجاهات يقتلون هنا وهناك، يقتلون المسيحيين والمسلمين.. يقتلون العرب والغربيين.. يحرقون المساجد والكنائس والمعابد وكل شيء، لا محرّم لديهم، ولا قدسية لشيء أمام ما يتشبثون به من فكر عنيف وإقصائي ومتطرف، فالإرهابي لا يقبل الآخر ولا يستطيع الحوار معه.

مجزرة مسجد الروضة في بئر العبد شمال سيناء تؤكد بكل معنى الكلمة هذه الحقيقة، فعدد القتلى تجاوز 305 شهداء، بينهم 27 طفلاً، وقرابة 128 جريحاً، وهؤلاء جميعهم كانوا في بيت من بيوت الله آمنين يؤدون فريضتهم في يوم الجمعة لا يحملون فكراً عنيفاً، بينما من يدعون الإسلام والتديّن تركوا فريضة الصلاة والاستماع لخطبة الجمعة، وذهبوا مدججين بالقنابل والأسلحة ليقتلوا مؤمنين يؤدون فرض ربهم.

غضب في مصر.. مسلمون ومسيحيون يطالبون بالثأر للشهداء - شهداء هذه المجزرة وما سبقها- وهو واجب، فالثأر ليس فقط لأولئك الذين ماتوا، وإنما للإنسانية وللخير والسلام الذي يريد الإرهابيون طمسه، لذا فإن تكاتف العالم في وجه هذه العمليات الإجرامية يجعله أكثر قوة، ويجعل أولئك الجبناء أكثر ضعفاً وأقل تأثيراً.

وعندما نتكلم عن الفكر يجب أن نعود إلى أصل الحكاية، فمن المسؤول عن هذا الفكر المتغلغل والمنتشر بين كل الجماعات الدنيئة التي تدعي أنها إسلامية، وأنها ترجع وتستند في مواقفها وقراراتها إلى الدين الإسلامي الحنيف؟

الفكرة هي الخطر، والفكرة هي التي لعب عليها رموز الإسلام السياسي في منطقتنا طوال العقود الماضية لإنتاج هذا المزيج المشوّه من الجماعات الإرهابية التي اعتمدت القتل والترهيب منهاجاً لها، فباسم الدين، وباسم الله يقتلون الناس، كل الناس بغض النظر عن أعمارهم وعن أديانهم، فيكفي أن يكونوا غير منسجمين معهم فكرياً أو سياسياً ليتم تصنيفهم بأنهم ليسوا على المنهج الصحيح، ومن لا يكون على «منهجهم الصحيح» فدمه حلال!

العالم اليوم بحاجة لأن يقتلع جذور العنف والتطرف والإرهاب، وهذه الجذور هم أولئك الأشخاص الذين مازال الإرهابيون ينهلون من معينهم ويستندون إلى فتاواهم في القتل والعمليات الانتحارية، وعلى رأسهم يوسف القرضاوي الذي يقيم في الدوحة والذي هو مدان بالصوت والصورة بدعوته إلى القتل والانتحار، وغيره عشرات وعشرات ممن يطلقون على أنفسهم علماء ودعاة، وهم ليسوا سوى دعاة للموت والقتل والكراهية.

إذا كان العالم جاداً في محاربة أصل الإرهاب، فمن المهم أن يراجع قوائم الإرهاب التي أعلنتها الدول الأربع المقاطعة لقطر، والتي تضم رموز هؤلاء الإرهابيين ومروّجي الفكر العنيف، فهؤلاء من يجب إيقافهم وعدم السماح لهم بالاستمرار في نشر العنف والكراهية في مجتمعاتنا، فهؤلاء هم أساس البلاء، ومن حمل السلاح للقتل هم مجرمون يبحثون عمن يبرر لهم جرائمهم.