عبدالله المدني 

الآن وقد عاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى بلاده بعد جولته الآسيوية الأولى الطويلة (استغرقت 12 يوماً)، فإن السؤال المطروح هو هل نجحت الزيارة؟ الإجابة نعم، وربما بالقدر نفسه الذي نجحت فيه زيارته للسعودية في مايو الماضي، خصوصاً أنها مرت دون منغصات وتوترات. لكن هناك، بطبيعة الحال، من المراقبين المناوئين لترامب منذ لحظة انتخابه، من يرى أن سياساته بقدر ما هي ناجحة في الخارج فإنها فاشلة في الداخل، بل هناك من يرى أنه فشل في إقناع الدول التي زارها بأجنداته، ومنها التعاون من أجل التصدي للتمدد والهيمنة الصينية.

لقد عاد ترامب إلى واشنطن مؤخراً بعد أن عزز علاقات بلاده التحالفية مع أهم شريكين لها في الشرق الأقصى وهما اليابان وكوريا الجنوبية، علماً بأنه في الأخيرة اصطدم برؤية قيادتها الداعية إلى ضرورة وضعهم مسبقاً في صورة أي خطوة يقدم عليها ضد جارتهم النووية المشاغبة.

أما في الصين، المحطة الأهم في جولة ترامب، فقد حظي باستقبال أسطوري غير مسبوق، الأمر الذي ساهم كثيراً في منع أي احتكاك بينه وبين مضيفه الرئيس «شي جينبينج»، بل ومهد أجواء إيجابية لم تكن متوقعة لوضع أسس جديدة للتعاون الأميركي الصيني، في المجالات الاقتصادية والتجارية ناهيك عن كيفية التعامل مع حماقات النظام الكوري الشمالي. وكان ترامب قد مهد محادثاته مع قادة بكين بالإعراب عن ارتياحه لما تمارسه بكين من ضغوط على بيونج يانج، داعياً إياها إلى الضغط أكثر فأكثر حتى ينصاع دكتاتورها لصوت العقل.

وقد تجلى نجاح ترامب في محطته الصينية في توقيع عقود مع الصينيين تجاوزت قيمتها ربع تريليون دولار، وتعهُّد الصينينن بفتح أسواقهم أمام الشركات الاستثمارية الأميركية. وفي تفاصيل هذين الإنجازين نقرأ: إبرام 3 هيئات رسمية صينية هي «شركة سينوبيك النفطية» و«الصندوق الاستثماري الصيني» و«بنك أوف تشاينا» اتفاقاً لاستغلال حقول الغاز الطبيعي في ألاسكا عبر ضخ استثمارات تبلغ 43 مليار دولار، وهو ما سيوفر 12 ألف فرصة عمل في الولايات المتحدة، ويخفض العجز التجاري الأميركي مع الصين بمبلغ 10 مليارات دولار. ومن جهة أخرى أبرمت شركة «كوالكوم» الأميركية للاتصالات اتفاقاً مع 3 من كبريات شركات الهواتف الذكية في الصين لتزويدها خلال السنوات الثلاث القادمة بمعدات وأجهزة تبلغ قيمتها 12 مليار دولار، كما وقعت شركة بووينج لصناعة الطائرات اتفاقات مع الصينيين لتزويدهم بطائرات تصل قيمتها إلى 37 مليار دولار. وفي السياق نفسه وقعت شركة «جنرال إلكتريك» الأميركية اتفاقات مع ثلاث جهات صينية لتزويدها بمحركات الطائرات بقيمة 3.5 مليار دولار.

لكنه في موقف فاجأ الكثيرين صدر عن ترامب ما يشير إلى استعداده للحوار مع قادة بيونج يانج والجلوس معهم على طاولة المحادثات إنْ وافقوا على وقف مشاريعهم النووية والباليستية، وهذا الموقف، بطبيعة الحال، مناقض لمواقفه السابقة المهددة بمسح كوريا الشمالية عن الخارطة. وعليه فإنه لا يُعرف حقيقة مَن أقنع مَن في المحادثات الصينية - الأميركية.

في محطته الرابعة وهي فيتنام جدد ترامب مع قيادتها أواصر التعاون المتنامية بين هانوي وواشنطن منذ عهد الرئيس الأسبق بيل كلينتون الذي كان أول رئيس أميركي يزور هانوي بعد انتهاء الحرب الفيتنامية- الأميركية وتوحيد شطري فيتنام، لكن ترامب ارتكب في فيتنام ما أزعج الصينيين وجعلهم يردون عليه علانية، إذ أعرب ترامب لنظيره الفيتنامي «تراي داي كوانج» عن استعداده للعب دور الوسيط بين هانوي وبكين لحل قضية الجزر المتنازع عليها في بحر الصيني الجنوبي، قائلاً: «جربوني فأنا وسيط جيد جداً»، فما كان من الصينيين أن ردوا عليه بما مفاده أن لا دور للولايات المتحدة في بحر الصيني الجنوبي، وإنْ كانت هناك ثمة نزاع فيتعين حله بطريقة ثنائية. وفي اعتقادي أن تصريح ترامب هذا، الذي لم يعلق عليه الفيتناميون، شجع بكين على القيام بمساعٍ جديدة للحوار مع هانوي لتخفيف التوتر في جنوب شرق آسيا، على نحو ما لوحظ في البيان المشترك عن زيارة الرئيس الصيني «شي جينبينج» لهانوي، والذي جاء فيه عزم البلدين على عدم اتخاذ أي خطوات يمكن أن تؤدي إلى تعقيد النزاع.

وأخيراً فقد كان من المتوقع أن تشهد محادثات ترامب في مانيلا مع نظيره الفلبيني الرئيس «رودريجو دوتيرتي» شيئاً من التوتر على خلفية طباع الرئيسين التصادمية، خصوصاً لجهة ما عُرف عن «دوتيرتي» من مواقف متصلبة ضد كل الجهات التي انتقدته وتنتقده في ملفات حقوق الإنسان بعدما ذهب بعيداً في تطهير بلاده من عصابات المخدرات والإجرام بالقتل دون محاكمة. وكان آخر مواقف «دو تيرتي» الحادة هو ما صرح به قبيل وصول ترامب إلى مانيلا من أنه سيوجه صفعة على وجه «أنييس كالامار» المقررة الخاصة للأمم المتحدة حول عمليات الإعدام التعسفية إذا ما فتحت معه ملف حقوق الإنسان، غير أن محادثات ترامب - دوتيرتي سادها التفاهم والمرح والالتزام بروح التعاون والتحالف القديم بين بلديهما، خصوصاً أن ترامب تجنب إزعاج مضيفه بملف حقوق الإنسان، بل أكد دعمه لخطواته في محاربة مافيات المخدرات والجريمة المنظمة قائلاً: «لدينا علاقات رائعة في الفلبين.. يتبدل الطقس دائماً ليصبح جميلاً». ويعتقد أن الجملة الأخيرة إشارة إلى ما اعتلى العلاقات الأميركية الفلبينية من غيوم قبل سنة حينما رفض باراك أوباما الاجتماع بنظيره «دوتيرتي» على هامش قمة رابطة دول آسيان في لاوس لأنه وصفه بألفاظ بذيئة.