جبريل العبيدي

دول الجوار الليبي تجتمع دون حضور الجار الليبي، لحلحلة أزمة الجار الليبي خارج حدود الجار الليبي... معادلة صعبة تجمع مصر مع تونس والجزائر. مصر التي دأبت حكومتها على دعم الاستقرار في ليبيا، والتعاطي بموضوعية مع الشأن الليبي دون الغرق في المستنقع الليبي، أما الجزائر فتتبع سياسة التساهل مع جماعات الإسلام السياسي، وهي التي اكتوت بنارها في تسعينات القرن الماضي. المشكلة في ليبيا هي هيمنة جماعات الإسلام السياسي، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين على طرابلس ضد إرادة 6 ملايين ليبي بدعم صريح من قطر وتركيا، ولولا هذا الأمر لتوافق الليبيون جميعاً قبل تمام اليوم على حل الأزمة.


الحكومة التونسية كانت تتأخر عن غيرها في موقفها من الأزمة، وبخاصة في تسلل بعض المقاتلين إلى ليبيا، الأمر الذي تسبب لها فيما بعد بعودتهم وعودة نشاطهم الإرهابي على الأراضي التونسية، مما شكل خطراً على الأمن القومي التونسي الذي تتشارك فيه مع ليبيا جغرافيا حدودية ومجتمعية وسوقاً اقتصادية مهمة، تؤثر في سوق العمل والاقتصاد التونسي، ما دفع الحكومة إلى تغيير موقفها السابق الذي كان ينحصر في التقوقع والنأي بالنفس عن مشاكل الجار الليبي، ولكنها أخيراً بدأت تتعاطى بشكل مختلف، تتقدم فيه خطوات نحو الجار الليبي والمساهمة في الحل، لتأمين حدودها معه. أسباب قد تكون حكمتها ظروفها الحدودية المباشرة من الغرب الليبي، حيث تتمركز الميليشيات وتسيطر على المعابر الحدودية، مما جعل الحكومة التونسية تقترب في التعامل مع سلطة «الميليشيات» وفرض الواقع في طرابلس، وخاصة بعد تكرار خطف العمال التونسيين والتهديد باحتجازهم، بل وحتى الاعتداء على البعثة الدبلوماسية لمجرد احتجاز السلطات التونسية لأي فرد من هذه الميليشيات يعبر أراضيها، واستمرار تهريب الوقود من ليبيا إلى تونس، مما شكل أزمة للبلدين. كما تسبب حفر خندق حدودي تونسي من جانب واحد في الأراضي الليبية في أزمة أخرى، وخصوصاً في ظل اتهامات للجانب التونسي باستقطاع جزء من الأراضي الليبية أثناء حفر الخندق المخصص لمنع التهريب عبر الحدود ومنع تسلل المقاتلين.
الحكومة المصرية والتعاطي بتوازن مع الطرفين دون انحياز، هذا ما دأبت عليه القاهرة؛ فالدولة المصرية في أكثر من مناسبة ومنها تصريحات الرئيس السيسي في منتدى شباب العالم، (دعم مصر «للمشير» خليفة حفتر، لا يعني رفضها أبداً حكومة الوفاق الوطني)، تؤكد هذا التوازن، سواء بتأكيد اعترافها بالجيش الليبي بقيادة «المشير» حفتر، أو تعاطيها بإيجابية مع حكومة الوفاق كحكومة، هي نتيجة لاتفاق «الصخيرات»، وإن كان ميتاً سريرياً، فسعت الحكومة المصرية لرعاية اجتماعات لتوحيد الجيش الليبي في مؤسسة عسكرية واحدة، تحت عقيدة وطنية تنبذ الإرهاب والفكر الميليشياوي.
الجزائر من جانبها لم تكن متحمسة كثيراً لاتفاق الصخيرات المغربية بشأن الأزمة الليبية، ولم تلعب فيه دوراً فاعلاً.
دول الجوار الليبي التي اجتمعت دون حضور الجار الليبي، والتي ليس بينها توافق كبير حول رؤية شاملة للحل في ليبيا، ولم يشمل جميع دول الجوار الست، ستكون معالجتها عسيرة إذ لم تستطع التوافق فيما بينها على رؤية موحدة، خاصة بعد أن يئست دول الجوار من كثرة الحكومات الليبية المتنازعة في ليبيا؛ من الحكومة المؤقتة المعترف بها من البرلمان المنتخب، إلى حكومة الإنقاذ التي شكلها تنظيم الإخوان بالشراكة مع الجماعة الليبية المقاتلة فرع القاعدة الليبي، عقب حرب ميليشيات فجر ليبيا وسيطرتها على العاصمة، ونزوح الحكومة الشرعية إلى البيضاء في الشرق الليبي، بعد أن رفضت جماعات الإسلام السياسي نتيجة الانتخابات ورفضت الإقرار بالهزيمة، ثم إلى حكومة الوفاق التي شكلها ممثل الأمين العام للأمم المتحدة الإسباني برناردينو ليون دون أن تنال الثقة من البرلمان الليبي، مما جعلها حكومة منقوصة السيادة وغير شرعية.
اجتماع دول الجوار الليبي الذي جاء هذه المرة بنسخة جديدة اعتمد فيها تغييب الجار الليبي، سيكون أمام اختبار عسير بالخروج بتوافق قابل للتوظيف في الدفع نحو استقرار ليبيا خالية من التنظيمات الإرهابية، سيحقق استقراراً للأمن القومي الإقليمي لدول الجوار الليبي جميعها ولأوروبا نفسها، قبل أن يتحقق واقعاً ملموساً في ليبيا التي هي ضحية لخذلان إقليمي ودولي. لذا لا بد أن تتكاتف الجهود لسحق الإرهابيين في ليبيا.