عمرو خان 

شُيِّعت ظهر أمس جنازة الفنانة المصرية شادية، من مسجد السيدة نفيسة في شمال القاهرة إلى مقابر العائلة في منطقة البساتين جنوب القاهرة. وفارقت الفنانة الكبيرة الحياة مساء الثلثاء عن عمر يناهز 86 عاماً، بعد أزمة صحية نقلت على أثرها إلى «مستشفى الجلاء العسكري»، زارها خلالها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وعقيلته في 10 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، بعدما استقرت نسبياً حالتها الصحية. وشيَّع جثمان شادية عددٌ من المسؤولين الرسميين والشخصيات العامة والفنانين، منهم وزير الثقافة المصري حلمي النمنم، ونقيب المهن التمثيلية أشرف زكي. وتقدم الجنازة الفنانون سمير صبري وياسمين الخيام ويسرا ودلال عبدالعزيز ورجاء الجداوي وبشرى وماجدة زكي والإعلامي عمرو الليثي وآخرون.

عشقت شادية الغناء والتمثيل منذ طفولتها، ولعبت الصدفة دوراً في اكتشاف موهبتها الفنية، وعزز وصولها إلى الساحة الفنية والدها أحمد شاكر، الذي وقع بين يديه إعلان عن مسابقة لاكتشاف المواهب الجديدة لشركة اتحاد الفنانين، فاصطحبها إلى المسابقة التي كان يرأس لجنة التحكيم فيها المخرج أحمد بدرخان الذي لفتته موهبتها. بعدذاك، تبناها فنياً المخرج والمنتج حلمي رفلة، وقدمها في سن السادسة عشرة عام 1947 للمرة الأولى في فيلم «أزهار وأشواك» أمام النجم يحيى شاهين.

ولدت فاطمة أحمد كمال الدين شاكر في 8 شباط (فبراير) 1931 في حي الحلمية الجديدة في وسط القاهرة، في أسرة مكونة من أربعة أفراد. كان والدها مهندساً زراعياً، ووالدتها ربة المنزل تركية. شقيقتها الكبرى عفاف أرادت دخول الفن، فرفض والدها. لكن شادية أفلحت بذكائها في إقناعه بموهبتها والسماح لها بما منعه عن شقيقتها.

حصلت على دور أساسي في فيلم «العقل في إجازة» أمام الفنان محمد فوزي عام 1947، فكان العمل بمثابة لقاء تعارف بينها وبين الجمهور. حصلت على «خَتم» النجومية من خلال دورها في فيلم «المرأة المجهولة» أمام الفنان كمال الشناوي وإخراج محمود ذو الفقار عام 1959.

لم تتقن شادية الأداء في الأدوار الدرامية فقط، وكان لقاؤها مع الفنان صلاح ذو الفقار تأكيداً لقدرتها على أداء الأدوار الكوميدية أيضاً، إذ مثلت معه أفلاماً عدة: «مراتي مدير عام» عام 1966، «كرامة زوجتي» عام 1967، «عفريت مراتي» عام 1968، وسبق هذه المجموعة من الأفلام الكوميدية أحد روائع الثنائي الراحل فيلم «أغلى من حياتي» عام 1965 الشهير بفيلم «أحمد ومنى».

تزوجت شادية في بداية مسيرتها الفنية عند سن العشرين من الفنان الراحل عماد حمدي الذي يكبرها بعشرين عاماً عام 1954، وانفصلا بعد ثلاث سنوات، تزوجت بعدذاك من المهندس عزيز فتحي عام 1957، وانفصلا بعد ثلاث سنوات أيضاً، وامتنعت شادية عن الزواج 5 سنوات، إلى أن التقت الفنان صلاح ذو الفقار عام 1965 وتزوجا عن قصة حب تحدث عنها البعيد قبل القريب من الساحة الفنية، واستمر الزواج 7 سنوات أثمرت 4 أفلام ولم تثمر أطفالاً.

أعلنت إحدى المجلات المصرية عن استقبالها رسائل عبر بريد القراء للفنانة شادية، وورد سؤال لأحد معجبيها: ما هي أكبر أمنية لك لا يعرفها الناس؟ وردت شادية: «إن الأمنية التي لا يعرفها عني الناس هي أنني أتمنى أن يكون عندي دستة (12) من الأطفال عندما أبلغ سن الخمسين». وعلى رغم زيجاتها المتعددة، فإنها لم تنجب، وآثرت أن تتقمص دور الأم في الواقع لابن زوجها السابق الراحل عماد حمدي من زوجته الأولى.

عزز اكتشاف طاقتها الإبداعية أداؤها دور البطولة في روايات الأديب العالمي الراحل نجيب محفوظ، الذي قال عنها بعد مشاهدتها أثناء تصوير فيلم «زقاق المدق»: «شادية جعلتني أشاهد حميدة (الشخصية التي جسدتها في الرواية) على الشاشة وكنت أشعر بكل خلجة من خلجاتها تمشي أمامي، على رغم تخوفي الشديد من عدم قدرتها على تجسيد الدور منذ ترشيحها له». وقدمت شادية أدواراً من أعمال الروائي العالمي في فيلم «الهاربة» و «اللص والكلاب» و «ميرامار».

وقفت شادية للمرة الأولى على خشبة المسرح أمام الفنان عبدالمنعم مدبولي في مسرحية «ريا وسكينة» عام 1980، وشاركهما البطولة سهير البابلي وأحمد بدير، واستمر العرض المسرحي ثلاث سنوات جاب خلالها دولاً عربية.

عام 1984 اختتمت الفنانة الراحلة مسيرتها الفنية بفيلم «لا تسألني من أنا» وقدمت بعض الأغاني الدينية على المسرح عام 1986، أبرزها «الليلية المحمدية». بعدذاك أعلنت اعتزالها التمثيل والغناء وارتدت الحجاب وابتعدت من الأضواء، تاركة رصيداً في مسيرتها الفنية التي تجاوزت 40 عاماً يضم 112 فيلماً سينمائياً و10 مسلسلات إذاعية ومسرحية واحدة، فضلاً عن مئات الأغنيات الدينية والوطنية والعاطفية.

وقد نعت نقابة المهن الموسيقية شادية وقال الفنان هاني شاكر: «نتقدم ببالغ الحزن إلى الشعب المصري والعربي بخالص العزاء في وفاة الفنانة الكبيرة شادية، صوت مصر الذي ملأ الدنيا واحتضن كل الذكريات وواكب كل المواقف الإنسانية والوطنية».

ونعى اتحاد المنتجين العرب الفنانة الراحلة في بيان جاء فيه: «يتقدم الاتحاد بخالص العزاء للشعب العربي في وفاة النجمة الكبيرة التي كانت بحق صوتاً للضمير العربي الوطني في كل ما قدمته من صنوف الفن المختلفة غناء وتمثيلاً».

ونعت دار الأوبرا المصرية شادية قائلة: «إن مصر والأمة العربية فقدتا قيمة فنية كبيرة، طالما أثرت الحياة الفنية بإبداعاتها في مختلف مجالات الفنون من سينما ومسرح ومسلسلات إذاعية وطرب أصيل. كانت شادية أحد أعلام وعلامات الغناء التي أطربت آذاننا على مر العصور. هي رحلت عن عالمنا ولكنها ستبقى خالدة بمجمل أعمالها في وجدان الجماهير».