أحمد عبد التواب 

بدون التمويل الأجنبى السخى للإرهابيين لما تمكنوا من نقل أفكارهم التخريبية من أدمغتهم إلى أرض الواقع بهذا الحجم الكارثي، ولما كان بإمكانهم الانطلاق من البيئة الضيِّقة التى ينحصرون فيها إلى دوائر أوسع مما كانوا يحلمون بها، ولما صار تحت أياديهم سلاح متقدم وذخيرة بلا حصر وصواريخ مضادة للطائرات ومدفعية مضادة للدبابات وألغام وسيارات دفع رباعى وحقائب مملوءة بأموال نقدية، ومن خلفهم فضائيات تروِّج لهم، وحملات إعلامية عبر العالم تدافع عنهم وتهاجم ضحاياهم، ومواقع على الإنترنت تبث بياناتهم وتترصد ناقديهم..إلخ إلخ. حاول أن تحسب التكلفة المادية لأى عملية إرهابية لتتيقن أنها من المستحيل أن تتم دون تمويل أجنبي! أنظر فقط إلى المَثَل الأخير، الجريمة البشعة فى مسجد الروضة ببئر العبد بالعريش، وقد قيل إنهم كانوا بين 40 و50 إرهابياً. فكم تكون تكلفة الأسلحة المطلوبة لهذا الفريق الذى ظل لوقت طويل يتعامل بالذخيرة الحية، والمتفجرات التى زرعوها فى الجوار، وسياراتهم، وأدوات اتصالهم المتطورة..إلخ؟ وما هى أتعاب كل منهم والأموال المرصودة لعائلته فى حالة مصرعه؟ ولكن علينا أن نتذكر أنه قبل التمويل كانت هناك أفكار تكونت بالفعل فى أدمغتهم، وما كان للمموِّلين أن يختصوهم إلا بعد أن تيقنوا أنهم يفكرون هكذا، كما أن التمويل مهما تعاظم فهو أعجز عن أن يقنع إرهابيا بالقيام بعملية انتحارية، ولكن ما فى دماغه يشكل له الحافز الكافي، وأما التمويل فدوره مقصور على توفير فرصة الانتحار لمن يريد الانتحار! وهنا لبّ الموضوع! فما هى هذه الأفكار؟ وما هى مصادرها؟ وكيف جرى حشو رؤوس الإرهابيين بها؟ ومن قام بذلك؟ وبأى منطق؟ وفى أى ظروف؟ ومتي؟ ثم كيف يقع التماس بين المخربين المحتملين ومموليهم؟ وكيف تتم كل هذه العملية فى غفلة من الجميع، المجتمع والدولة؟ 

نعم، فلنعترف بأن جملة هذه الأخطاء ليست مسئولية أجهزة الأمن وحدها. لأن الوعى الاجتماعى لم ينضج بعد إلى حد إدراك أهمية دور الشعب فى مكافحة الفكر المتطرف قبل أن يتحول إلى إرهاب مادي. وهذه من معضلات بلادنا وإقليمنا فى المرحلة المقبلة.