طارق أبو العينين

لا يمكن اختزال استهداف مسجد الروضة في شمال سيناء، الذي أوقع مئات المصلين من الشيوخ والشباب والأطفال، بين قتيل وجريح، بوصفه مجرد جريمة إرهابية. فتلك الجريمة ومِن قبلها جريمة الواحات البحرية التي راح ضحيتها 53 شهيداً من قوات الشرطة المصرية، تعني أننا إزاء حرب شاملة لا تستهدف الدولة وأجهزتها فحسب، بل تستهدف المجتمع بأسره. 

وهنا تنبغي الإشارة إلى فشل الوعي الأيديولوجي الزائف في مجابهة قوى الظلام الغاشمة. فمنذ وقوع هذا الهجوم الإرهابي شهدت الساحة السياسية والإعلامية المصرية حالاً من التراشق بين السلطة ومعارضيها في شأن المسؤولية عن تكرار تلك الهجمات مع انطلاق الطرفين مِن منطق أيديولوجي يستدعي الخصومة السياسية وينحي الحقائق المعرفية التي تفرز الإرهاب على الأرض.

فالسلطة تعتقد أن موجة الإرهاب العاتية التي تشهدها البلاد هي نتاج مخططات استخباراتية أجنبية، هدفها تقويض الدولة المصرية ويعمل لمصلحتها وينفذ أجنداتها نشطاء سياسيون ومراكز حقوقية مصرية ممولة من الخارج. ومن ثم، فإن هجومهم على الدولة المصرية وتحميلها وحدها فاتورة الفشل في مواجهة الإرهاب هما جزء مِن مخطط هدم تلك الدولة.

وفي المقابل، تُصر المعارضة على فشل النظام، على اعتبار أن الرئيس السيسي، طلب قبل توليه السلطة تفويضاً من الشعب لمواجهة الإرهاب، إلا أن الدولة بمؤسساتها لم تنشغل برفع كفاءة أجهزتها لهذا الغرض، بقدر ما انشغلت بملاحقة المعارضين السياسيين أمنياً. فكانت النتيجة هي فشل الدولة وأجهزتها في مجابهة الإرهاب. 

ولعل الشيء المؤلم في الأمر هو أن هذا التراشق بين السلطة وخصومها وصل إلى مرحلة عبثية، إذ أصبحت المسؤولية عن حادث مسجد الروضة مادة أساسية للحملة الانتخابية داخل نادٍ رياضي قاهري عريق بعد اتهام قائمة مرشحة في تلك الانتخابات بأنها «إرهابية متحالفة مع الإخوان»، ومن ثم فهي «متورطة» في تلك الهجمات في شكل غير مباشر. وهنا تنبغي الإشارة إلى حقائق تتعلق بالحرب الشاملة التي يشنها الإرهاب على مصر، وتؤكد بما لا يدع مجالاً للشك فشل هذا الوعي الأيديولوجي الزائف في مواجهة الإرهاب.

الحقيقة الأولى هي الانكشاف السياسي الشامل لقوى الإرهاب، فعادة ما كانت تسربل تلك الجماعات الإرهابية خطابها بأنها تمارس العنف ضد الدولة وأجهزتها فقط من دون المجتمع، رداً على انتهاكات يتعرض لها المعارضون الإسلاميون في السجون، مستثمرة في ذلك بعض سياسات الحكومة التي يستهجنها المواطن السيناوي، كإهمال التنمية في سيناء أو تهجير السيناويين مِن أجل مواجهة الإرهاب. ولعل المكسب الحقيقي الذي خرج مِن رحم تلك الفاجعة الكبرى هو سقوط الإرهاب سياسياً وإلى الأبد لأنه استهدف أساساً حاضنته المجتمعية التي كان يروج أفكاره داخلها وانكشف أمام الجميع أنه خصم لمصر بالمعنى المطلق. 

أعني هنا مصر الدولة والمجتمع. وهو ما يؤكد أن وجود أي شخص على رأس السلطة في مصر، أياً كان توجهه الأيديولوجي أو انتماؤه المؤسسي، لن يوقف الإرهاب الذي يتجاوز بجرائمه صراع السلطة مع المعارضة أو حجم الرضا والسخط الشعبي على كلتيهما.

أما الحقيقة الثانية، فتكمن في هذا الافتقاد المؤسف لما أطلق عليه برتراند راسل، القوة الدامجة في مواجهة الأخطار. فمواجهة فواجع الإرهاب تتطلب أساساً وجود نقاط إجماع عام، سواء بين السلطة والمعارضة، أو بين النخبة برمتها والجماهير. إلا أن هذا الانفراط النخبوي السلطوي والمعارض على أرضية الصراع الأيديولوجي وما له من تداعيات تتمثل في انفراط مجتمعي موازٍ، ستجعل المجتمع هشاً جداً أمام هجمات الإرهاب الأصولي.

والحقيقة الثالثة هي حاجة مصر إلى قواها الفكرية والثقافية والمجتمعية الحيّة كافة، في مواجهة الإرهاب. فالإصرار على المواجهة الأمنية وحدها واستبعاد الخبراء المدنيين، يعني الفشل الذريع إزاء الإرهاب المؤدلج الذي تتطلب مواجهته انفتاح السلطة على قوى المجتمع الحية والاستفادة من طاقات القوى الناعمة، ومن ثم التوقف عن فرز الناس وفقاً لمواقفهم السياسية منها.


* كاتب مصري