كلمة الاقتصادية|

بدأ تاريخ العملة الإلكترونية قبل أقل من عشر سنوات، وكان موضوعها الأساس هو تسهيل التبادل الحر بين المتعاملين في شبكة الإنترنت. وتاريخيا تعتمد هذه العملة على جهود ديفيد شوم عالم الرياضيات الذي طور بروتوكولات التشفير عام 1987، ثم جاء آدم باك عام 1997 بنظام مجحف للإثبات، واستمر التطوير حتى عام 2009 عندما تم تنفيذ أول صفقة لعملة بيتكوين بمبلغ 100 بيتكوين وبسعر 1 بيتكوين مقابل 0.001 دولار. وهكذا تمكنت هذه العملة من التسلل إلى منصات التبادل التجاري الإلكترونية، ولكن كوسيلة للتبادل التجاري فقط. ومع الوقت أصبحت العلاقة أكثر تعقيدا بين الدولار كعملة واقع حقيقي، وبيتكوين كعملة واقع افتراضي، ومع سهولة التبادل باستخدام العملة الافتراضية وتوسع التسويق الإلكتروني مع ظهور تطبيقات أجهزة الجوال، أصبح تبادل العملة بين بيتكوين والدولار محل نقاش واسع، مع وصول سعر 1 بيتكوين إلى 31 دولارا، بنهاية عام 2011.

من السهل الحديث عن بيتكوين كعملة افتراضية نشأت لحاجة التبادل السهل باستخدام شبكات الإنترنت وتطبيقات الجوال، فالحصول على هذه العملة يعني الوصول إلى مناطق يصعب التعامل معها من خلال العملة الحقيقية، فالتبادل التجاري وفقا لقواعد العملة الحقيقية يتطلب سلسلة من العلميات بين المصارف والحسابات، وهذا يعقد العملية من جانب، ويطول الإجراءات مع التعرض لمخاطر استخدام البطاقات الائتمانية من جانب آخر، فالـ"بيتكوين" وجدت أرضا خصبة لها في عالم الأسواق الافتراضية وتبادل البرامج والتطبيقات بل حتى السلع، الأمر الذي شجع بعض المصارف حول العالم على قبول الدفع بهذه العملة، لكن التحول الخطير نشأ مع دخول هذه العملة إلى سوق تبادل العملات، وتحولت من عملة تبادل ووسيط مقبول للتقايض الحر والمرن، إلى أداة استثمار وصناعة الثروات.

فالتطور المذهل الذي أصاب هذه العملة خلال أقل من عشر سنوات، جعل من السهل تبادلها مع أي عملة، خاصة العملات الرئيسة، ومع تعقيد التشفير وعدم وجود سيطرة مؤسسية حكومية على هذه العملة تحولت إلى ندرة، وأصبح المتوافر منها يعادل قيمة آلاف الدولارات، وأخيرا قفزت العملة الافتراضية "بيتكوين" إلى مستوى قياسي جديد بنهاية تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، متجاوزة مستوى تسعة آلاف دولار، لتسجل 9002 دولار، وهذا الجنون جنن الأسواق، فمن استطاع الفوز بعملة الـ"بيتكوين" عام 2009، أصبحت تدر عليه اليوم ما يقدر بتسعة ملايين لكل دولار استثمر فيها، وللحقيقة لم يصل استثمار قبلها إلى هذا المستوى القياسي. 

وقد تتبعت وحدة التقارير في "الاقتصادية" رحلة صعود الـ"بيتكوين" منذ ظهورها حتى نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، ومن يراجع هذا التقرير ينتابه شعور هائل بالقلق، لكن تبقى الأسئلة كبيرة حول إمكانية تطبيق كل المعرفة الإنسانية في الاستثمار على كل ما شهدته عملة بيتكوين، وهل يمكن للقواعد الأساسية أن تفيدنا في تقييم المخاطر التي تنتج عن التعامل بهذه العملة؟ وهل هناك احتمالات بيع واسعة لجني الأرباح؟ وهل هناك فعلا حاجة إلى جني أرباح من هذه العملة؟ فالجميع يعلم أنه لا توجد سيطرة مؤسسية على هذه العملة، ولا يوجد بنك مركزي يمارس وصاية عليها. وهل ما يحدث الآن هو مجرد بداية لعالم تنتهي فيه العملات الحية التي نعرفها، أو بداية لانفصال كامل بين اقتصاد عالم الإنترنت وعالمنا كما نفهمه؟ ما يمكن تأكيده أننا أمام تجربة إنسانية جديدة وفريدة من نوعها، وكل ما نستطيع التحدث به ناتج من خبرات تختلف كليا عن هذه التجربة. ووفقا لكل ما تعلمنا من عالم لم يتعامل بالإنترنت وعملاته هو أن هناك مخاطر كبيرة من الاستثمار في هذه العملة، وأن حجم العوائد لا يبرره حجم الأصول، ومع ذلك فإن التجربة بذاتها قد تفرض نظريات جديدة. وبكل صدق فإن المخاطر كبيرة جدا، ولكن العوائد كبيرة أيضا، ومن نراهم مغامرين في هذه العملة قد يصبحوا روادا لاقتصاد جديد بالكامل غدا.