مال جوهر

منذ أن أطلقت سراحه «كتيبة مسلحة» بمدينة الزنتان (غرب ليبيا) في الحادي عشر من يونيو (حزيران) الماضي، لم يشاهد سيف الإسلام نجل الرئيس الراحل معمر القذافي، في مكان عام، لكن رغم الحكم عليه غيابياً من محكمة في طرابلس، بالإعدام رمياً بالرصاص، مع 8 من رموز النظام السابق، فإنه يسجل حضوره الدائم من خلال دعاوى قضائية يحركها عبر محاميه دفاعاً عن «التشكيك في حصوله على درجة الدكتوراه» من جامعة بريطانية.


سيف المختفي، الذي تصر بعض الأصوات الليبية، على الدفع باسمه في المشهد السياسي، كـ«منقذ» للبلاد التي تعمها الفوضى من إسقاط نظام والده، والمطلوب من محكمة الجنايات الدولية، حرك دعوى قضائية في الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) الماضي في محكمة بمدينة طبرق، ضد عضو مجلس النواب الليبي الدكتور أبو بكر بُعيرة، بسبب ما سماه «طعنه في شهادة الدكتوراه التي نالها من جامعة لندن سكول أوف إيكونوميكس»، الأمر الذي نفاه بُعيرة لـ«الشرق الأوسط» وقال: «هذا افتراء، والدعوى المرفوعة ضدي كيدية».
اختفاء سيف الإسلام عن الأعين، يُعوضه بالبيانات الصحافية التي تصدر بواسطة محاميه، مع اختلاف روايات الليبيين حول مكان اختبائه، فمن قائل إنه «يتوارى في مدينة طبرق، شرق ليبيا، أو قد يكون لدى عائلة بالزنتان»، فيما يقول آخرون إنه «في مدينة البيضاء لدى قبيلة البراعصة»، وهي المدينة التي تتخذ منها الحكومة المؤقتة مقراً لها. لكن لم تؤكد أيضاً أي جهة رسمية وجوده في البيضاء من عدمه.
وأصدر سيف الإسلام القذافي بياناً صحافياً، الأربعاء الماضي، عبر محاميه، وتحدث فيه عن سبب تحريكه دعوى قضية ضد بُعيرة، وقال: «الدافع وراء تقديم هذه الدعوى الآن هو أن المشتكى ضده ادعى زوراً وبهتاناً أن شهادة الدكتوراه التي منحتها كلية لندن للاقتصاد لموكله قد تم منحها له من خلال الغش والاحتيال وكانت غير مستحقة».
وأضاف سيف القذافي، نقلاً عن محاميه كريم خان: «رغم أن بُعيرة اعتذر وطلب مني سحب القضية، فإنني وللأسف رفضت القيام بذلك نتيجة الأضرار التي لحقت بسمعتي من هذه التصريحات المغرضة»، مضيفاً: «كثير من التعليقات التي روجت ضدي كانت لها دوافع سياسية ومنافية للحقيقة». وانتهي قائلاً إن «كلية الاقتصاد في لندن حققت في تلك الادعاءات وثبت بوضوح أن المزاعم حول منحي درجة الدكتوراه غير المستحقة قد تم كشفها على أنها غير عادلة تماماً ودون أي أساس».


في مواجهة ذلك رد بُعيرة، وقال إن «الإندبندنت» البريطانية «اتصلت بي في مارس (آذار) 2011 وسألتني عن طبيعة رسالة الدكتوراه التي حصل عليها سيف، فقلت لها: لا أعرف عنها شيئاً، لكن أعلم أنه استعان بمجموعة من الأساتذة بجامعة بنغازي للمساعدة في دراسته»، متابعاً: «وتبين أن وسائل إعلام بريطانية نشرت قبل ذلك التاريخ أن سيف القذافي كان يستأجر شخصاً أوروبياً مقابل 4 آلاف جنيه إسترليني في الشهر، لكتابة البحوث له».
ومضى يقول: «الصحيفة سألتني: هل تنصح الجامعة البريطانية بسحب الدكتوراه من سيف القذافي؟»، فأجبت: «هذا من اختصاصها، وليس لي التدخل في ذلك»، مستدركاً: «لكنهم فتحوا تحقيقاً في هذا الأمر، واستقال رئيس الجامعة».
وأضاف بُعيرة لـ«الشرق الأوسط»: «بعض الشخصيات من النظام السابق اتصلت بي، وطالبوني بالاعتذار لسيف، فقلت لهم: لم أقل شيئاً اعتذر عنه، ولم أصرح مطلقاً بأن شهادة سيف مزورة». وتساءل بُعيرة: «هذه الأحداث ترجع إلى مارس عام 2011، عندما كانت ليبيا تخوض حرباً ضد نظام والده، فلماذا أعيد فتح هذه القضية الآن؟... لا بد أن هناك أطرافاً تريد النيل مني».
وسألته «الشرق الأوسط» عن طبيعة تلك الأطراف، فقال: «ليس لدي دليل، لكن الأيام المقبلة ستفضحهم»، مطالباً قائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر، ورئيس المجلس الرئاسي فائز السراج بالقبض على سيف القذافي وتسليمه إلى محكمة الجنايات الدولية. ورأى بُعيرة أن سيف بات فاقداً للأهلية بعد الحكم عليه بالإعدام، وبالتالي تحريكه لتلك الدعوى «فيه نوع من التزوير». وأبدى بُعيرة أسفه، وقال في بيان صحافي، إن «سيف الذي يرغب في العودة لحكم ليبيا من جديد يبدأ بحملة تصفية حسابات، حتى وهو لا يعرف له مكان، ومطارد من قبل المحكمة الجنائية الدولية على ما ارتكبه من جرائم». وقال: «أرى أن كل من تضرر من سيف أيام حكم والده، وخصوصاً جراء الرتل الذي ساقه لتدمير مدينة بنغازي في التاسع عشر من مارس2011، من حقهم أن يلاحقوا سيف ومن معه، لدى القضاء المحلي والجنائي الدولي على ذلك». وفي الثامن والعشرين من يوليو (تموز) 2015، قضت محكمة ليبية بشكل بات على سيف القذافي الإعدام رمياً بالرصاص، و8 من رموز النظام السابق، من بينهم البغدادي المحمودي آخر رئيس وزراء للقذافي، وعبد الله السنوسي مدير المخابرات السابق، لدورهم في «قمع الثورة التي أطاحت بالنظام».


ورغم مرور 6 أعوام على غياب سيف القذافي، عن المشهد السياسي في بلاده، فإن هناك من لا يزال يرى «أنه الأمل في ترتيب المشهد المرتبك» في ليبيا، ما سارعوا بتشكيل «الجبهة الشعبية لتحرير ليبيا»، لتضم سريعاً تشكيلات اجتماعية، وقيادات شعبية، وقبائلية، أملاً في أن يأتي اليوم الذي يجلس في القذافي الابن مكان والده، «فيعود الاستقرار إلى البلاد».
وفي موازاة ذلك، يرى آخرون أن «زمن القذافي وأسرته ولى إلى غير رجعة»، وأن «مكان سيف السجن، جراء الجرائم التي أشرف عليها»، ويضيف بُعيرة: «سيف انتهى سياسياً ومدان قضائياً محلياً ودولياً، ولن تكون له فرصة الظهور ثانية»، مستكملاً: «من يطالبون بعودته هم من تعودت أنفسهم على العبودية السياسية، أو أصحاب المصالح الخاصة الذين يتمنون العودة للمشهد من جديد».

وعلق بُعيرة على المبادرة الأممية التي تستهدف إدماج أنصار النظام السابق في العملية السياسية، وقال: «مع احترامي لغسان سلامة (المبعوث الأممي لدى ليبيا)، أرى أنه لا يقرأ المشهد السياسي الليبي قراءة صحيحة، وأنه يضيّع وقته مع الأطراف الخطأ التي لا تأثير فعلياً لها على كيفية سير الأمور في ليبيا، وسوف يضطر بشكل مستمر للتنازل عن كثير من المعتقدات السياسية التي بدأ بها عمله في ليبيا».
غير أن جمال أبو فرنة أحد مشايخ سلوق (غرب بنغازي شرق البلاد)، يرى أن «الديمقراطية تسع الجميع»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «ليس لدينا ما يمنع من مشاركة سيف الإسلام القذافي في العملية السياسية، شريطة أن يبرأ قضائياً من أي تهمة توجه إليه»، مستدركاً: «وهذا يعتمد على القضاء النزيه والنظيف... ولدينا ثقة في القضاء الليبي».
وتطالب المحكمة الجنائية الدولية بمحاكمة سيف الإسلام بجرائم ضد الإنسانية خلال محاولة والده، معمر القذافي، غير الناجحة قمع التمرد ضد حكمه. ودان المجلس العسكري لثوار الزنتان الذي شارك سابقاً في احتجاز سيف والمجلس البلدي للزنتان إطلاق سراحه من قبل كتيبة أبو بكر الصديق. وقال المجلسان حينها: «الإفراج عن سيف الإسلام شكل من أشكال التواطؤ، وخيانة لدماء الشهداء، وطعنة في ظهر الجسم العسكري الذي تدعي (كتيبة أبو بكر الصديق) أنها تنتمي إليه».