سمير عطا الله

 كان المشير عبد الحكيم عامر لغزاً من ألغاز التاريخ المصري مثل قبور الفراعنة وسموم كليوباترة. قيل إنه انتحر ندماً لأنه تسبب في نكسة 1967. وقيل إنه قتل من أجل طي تلك الورقة الحزينة والمحزنة. وهذا ما يصر عليه نجله وأرملته السيدة برلنتي عبد الحميد.

وقد سعى النظام المصري إلى تأكيد نظرية الانتحار. كما حاول المقربون من عبد الناصر تبرير الانتحار، أو الموت برسم صورة لرجل من دون كفاءات. ونسب محمد حسنين هيكل إلى عبد الناصر قوله في حوار مطول، إن عامر كان عسكرياً مهزوماً منذ 1956. ولذا، كان يجب ألا يبقى في القيادة، خصوصاً أيضا بعد مسؤوليته عن فشل الوحدة السورية المصرية.
أعدت في الآونة الأخيرة قراءة وسماع (يوتيوب) معظم ما قيل بعد غياب المشير. والملاحظة المثيرة أن يتفق مؤرخان، واحد هو هيكل، الأقرب إلى عبد الناصر، ونجيب محفوظ، المعارض له وللكثير من ثورة 23 يوليو، على أن عبد الناصر هو الذي كان يخشى عامر بسبب محبة الجيش له. ويروي هيكل أن عبد الناصر أعلن استقالته في التاسع من يونيو (حزيران) 1967 تخوفاً من حركة يقوم بها الجيش الذي ضرب قبل أن يتمكن من التحرك.
نجيب محفوظ كان أكثر حسماً وأقل دبلوماسية في قضية عامر، فقال إنه كان ضد تسليم قيادة الجيش إلى عامر: «كنت أستضعفه وأرى أن توليه مسؤولية الجيش بمثابة مهزلة. كنت أفهم أن يسند إليه عبد الناصر وظيفة إشرافية، ويعطي مهمة قيادة الجيش الفعلية لرجل يتمتع بالكفاءة العسكرية، أما أن يعطيها لعامر من دون أن تكون لديه الإمكانات التي تؤهله لها، فهو أمر لم أستسغه ولم أقبله، بل إنني أعتبره السبب الرئيسي فيما حدث للجيش المصري في الخامس من يونيو (....) وكنا نعتقد طوال تلك الفترة أن عامر كان منطوياً تحت جناح عبد الناصر حتى تكشفت مفاجآت ما بعد النكسة، فعرفنا أن المشير عامر هو الذي كان يتحكم في الرئيس جمال عبد الناصر. ولذلك، أستعيد ما قيل عن انتحار المشير وأظن أنهم تخلصوا منه».
سرت شائعات كثيرة حول الأمر في صحف الغرب وصحف لبنان بعد الوفاة، لكن لم يصدر شيء عنه في مصر إلى ما بعد فترة طويلة. ووضعت أرملته السيدة برلنتي عبد الحميد كتاباً حول القضية. وكانت هي في شبابها نجمة جذابة، فلما شاعت أخبار زواجهما اعتبر المعارضون ذلك من نقاط الضعف التي كانت تؤخذ على المشير في حياته الخاصة وكل علاقته بالوسط الفني.