وحيد عبد المجيد 

يؤكد إعلان قيادة القوات المشتركة العراقية بدء عملية لمطاردة عناصر تنظيم «داعش»، في مناطق الجزيرة الواقعة بين محافظات صلاح الدين ونينوي والأنبار، أن هذا التنظيم ينتقل إلى المناطق الصحراوية الشاسعة الواصلة إلى الحدود مع سوريا ملاذاً ومنطلقاً للجماعة الإرهابية.

فقد ازدادت في الأشهر الأخيرة المؤشرات الدالة على أن عناصر «داعش» المهزومين في العراق وسوريا يعيدون التموضع في المناطق الصحراوية الواسعة بين البلدين، ويقيمون قواعد يستخدمونها في الإغارة على بعض المدن التي هُزموا فيها. ينتقل «داعش»، إذن، من المدن التي يتم تحريرها إلى الصحراء التي كانت قاعدة خلفية له. ولذلك ينبغي التريث في الحديث عن زوال خطر هذا التنظيم برغم الهزائم التي يلقاها كل يوم. سبق أن هُزم تنظيم «القاعدة» عسكرياً. ولكن الهزيمة لم تقض عليه. انحسر نشاطه، ولكنه لم يتوقف. وانتقل عدد غير معروف بدقة من أعضائه إلى «داعش» عند إعلان تأسيسه.

والمتوقع أن يحدث شيء من ذلك بصورة أخرى نتيجة هزيمة «داعش». وسيناريو ظهور تنظيم جديد قد يكون أكثر عنفاً وتوحشاً ليس مستبعداً. ولكن الأرجح وفق المعطيات الراهنة أن يظل «داعش» مصدر تهديد كبير. سيكون هذا التهديد مختلفاً بطبيعة الحال. وقد ظهرت إرهاصاته في سلسلة الاعتداءات الدامية التي ضربت أهدافاً في أوروبا منذ أواخر 2015.

والمتوقع أن يتوسع «داعش» في العمليات الانتحارية والتفجيرية في مناطق مختلفة بعد خطة إعادة التموضع التي بدأ في تنفيذها. تقوم هذه الخطة على انسحاب معظم قادته ومقاتليه من المدن التي تضيق عليه، إلى مناطق مختارة في الصحراء السورية والعراقية. وهذا الانسحاب بعضه عشوائي، ولكن أكثره منظم بهدف إعادة التموضع في منطقة صحراوية يُرجح أن تمتد من جنوب الرقة وريفها الشرقي شمالاً باتجاه ريف حماة الشرقي وأرياف حمص، وريف دير الزور، وصولاً إلى مناطق الجزيرة في الصحراء العراقية.

وهكذا يترك «داعش» المدن التي يفر منها إلى الصحراء، حيث لا عنوان يسهل التوجه إليه لاستهدافه فيه. ويتحول في أثناء ذلك من «فقه» الدولة أو «الخلافة» إلى «فقه» الهجرة، وفق الخطاب الذي يستخدمه في إعادة غسل أدمغة أتباعه الذين سيبقون معه، وإعدادهم لمرحلة جديدة يواصلون العمل الإرهابي فيها حسب منهج مختلف عن ذلك الذي سبق اعتماده عام 2013.

وستكون هذه المناطق الصحراوية منطلقاً لتوسيع العمليات الإرهابية التي ازدادت في أوروبا منذ أواخر 2015، واستهداف البلدان العربية التي يمكن التسلل إليها. والأرجح أن يلجأ إلى العمليات منخفضة التكاليف، لأن هزيمته في المدن تؤدي إلى تجفيف أهم مصادره المالية التي جعلته أكثر تنظيمات الإرهاب ثراءً.

ولذلك يتوقع أن يزداد اعتماده على العمليات الانتحارية، وتجنيد أطفال ونساء للقيام بها في سوريا والعراق وبلدان عربية أخرى، وأن يلجأ إلى الأفراد الذين يرتبطون به عن بُعد ويُطلق عليهم «الذئاب المنفردة».

ولكن الأخطر من ذلك أن المناطق الصحراوية التي يسعى «داعش» لاتخاذها ملاذاً تشمل المربع الحدودي السوري- الأردني- العراقي- السعودي. ومن هنا أهمية عدم وقف الحرب على «داعش» بعد تحرير المدن منه، بل مواصلتها لاستهدافه في ملاذه الصحراوي، على النحو الذي بدأ بالفعل. ولكن هذه المهمة أصعب، وتتطلب استراتيجية وتكتيكات عسكرية جديدة تعتمد على تطوير قدرات التحالف الدولي الاستخباراتية في المناطق التي سيلوذ بها «داعش» ويتخذها منطلقاً لعملياته.

غير أن أهم ما ينبغي الانتباه إليه في غضون ذلك هو الحاجة إلى خطة دولية عاجلة لإعادة إعمار المدن التي دفعت ثمناً مهولاً لتحريرها من «داعش»، وصار معظمها خراباً، كما لو أن زلازل رهيبة ضربتها. كما أصبح الكثير من سكانها مُهجَّرين أو نازحين، يقيم معظمهم في مخيمات ممتدة في منبسطات صحراوية. ولذلك ستكون هذه المخيمات هي مقصد «داعش» الأول لسهولة الوصول إليها، ولبؤس المقيمين فيها، على نحو يمكن أن يوفر له مدداً سريعاً.

ولذلك تشتد الحاجة إلى تعبئة موارد مالية كافية لتحسين الحياة في المخيمات، بالتوازي مع خطط إعادة الإعمار، وفي إطار رؤية أوسع لمواجهة الإرهاب تقوم على عمل جاد لنزع الأسباب المؤدية إلى التعصب والتطرف.

لقد حان وقت لتطوير استراتيجية متكاملة تقوم على أن هزيمة إرهابيين وطردهم من مناطق يحتلونها تعد جزءاً من مواجهة الإرهاب بوصفه حالة تنشأ بفعل تراكمات اجتماعية وثقافية، وتغذيها عوامل، أهمها في الوضع العربي الراهن التطرف الطائفي والمظالم المترتبة عليه.