سلطان البازعي 

 قرار الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، وبالتالي نقل السفارة الأميركية إليها، كان متخذاً في الكونغرس الأميركي بمجلسيه منذ 23 تشرين الأول (أكتوبر) 1995 على شكل قانون ملزم للرئيس الجالس بالبيت الأبيض لا يستطيع نقضه، ولكن الرئيس يستطيع بنص القانون أن يؤجل التنفيذ مدة ستة أشهر، على أن يقدم للكونغرس تقريراً يفيد أن التأجيل هو لمصلحة الأمن القومي الأميركي، كما يستطيع أن يمدد هذا التأجيل ستة أشهر أخرى، وفي كل مرة عليه أن يقدم قبل انقضاء المدة التقرير نفسه متضمناً لائحة بالأسباب المؤثرة على الأمن القومي الأميركي، وشرحاً واضحاً لمبررات التأجيل.

وبعد قرار الكونغرس بيومين خطب رئيس الوزراء الصهيوني إسحاق رابين في واشنطن قائلاً: «نحن في إسرائيل نختلف يميناً ويساراً، نختلف على الوسائل والأهداف، ولكننا نتفق على شيء واحد هو القدس. لا يوجد شيء اسمه قدسان، هناك قدس واحدة هي عاصمة إسرائيل، وهي غير قابلة للتفاوض، أو المصالحة وبدونها لن يكون هناك سلام». وتذكروا أن رابين لم يكن من حزب الليكود «المتشدد» وإنما من حزب العمل الذي يوصف بالاعتدال والدعوة للسلام.

وهكذا، فإن القرار كان يتم تأجيل تنفيذه، وقدم الرؤساء الأميركيون كلينتون وبوش وأوباما (على التوالي) منذ ذلك الحين ما يزيد على 40 طلب تأجيل مبررة وفقاً للقانون، وكانت معظم التبريرات تتمحور حول فرص السلام الممكن تحقيقها، ودور الولايات المتحدة في رعاية العملية السلمية، وهو الدور الذي سينسفه بالتأكيد اتخاذ هذه الخطوة.

إذاً، ما الذي تغير هنا؟ نحن نعرف أن كل الرؤساء الأميركيين يعدون بنقل سفارتهم إلى القدس خلال حملاتهم الانتخابية، لكنهم ما إن يجلسوا في المكتب البيضاوي حتى يبدؤوا بالتعامل مع حقائق السياسة الدولية ويجدون وسيلة لتجاوز هذه الوعود.

وحده ترامب قال وفعل، ونُقل عنه قوله إن من سبقوه من الرؤساء لم يملكوا الشجاعة لاتخاذ القرار (حقيقة هو استخدم تعبيراً يتعلق بالفحولة ولا يليق ترجمته هنا).

ترمب لديه أسبابه الخاصة لاتخاذ القرار، لعل أهمها ما يمكن أن يكون صفقة مع القوى اليهودية الفاعلة والمؤثرة في واشنطن لإنقاذه من المطبات الكثيرة التي قد تعصف برئاسته، ولهذه الأسباب فإنه لن يلقي بالاً لمخاطر الخلاف الحاد حول الموضوع مع حلفائه في «الناتو» أو الاتحاد الأوروبي، ولا لنقد القوى الأخرى مثل روسيا والصين، وبالتأكيد هو غير مهتم بالخطر الذي يتهدد وضع بلاده كوسيط مفترض وصانع للسلام في الصراع العربي الإسرائيلي، وسيكون غير مهتم بشكل أكثر تأكيداً بالاحتجاجات العربية والإسلامية ما دامت ستبقى في إطار الاحتجاجات والتنديدات.

يقول الكاتب الأميركي فيلب بومب في «واشنطن بوست» أن ردود الفعل العربية على القرار هي نفسها التي سمعناها عام 1995، وكأني بالكاتب يقول إن العرب يعرفون أن هذا القرار موجود منذ 22 عاماً، وأنه يتحرك بشكل بيروقراطي كل ستة أشهر بين البيت الأبيض والكونغرس، ولم يبذل أي جهد للتأثير فيه، أو محاولة جمع الأصوات لنقضه، أو لتعديله لجعله على الأقل مشروطاً بتحقيق تقدم إيجابي من الجانب الإسرائيلي في عملية السلام.

ويشير الكاتب إلى أن القرار في أصله كان لإظهار التزام الكونغرس تجاه إسرائيل، لكنه وضع مخرجاً للرئيس لكي يتجنب تنفيذ القرار بحسب الحاجة وتقديراته لمصلحة الأمن القومي، وأن القرار لم يصبح قانوناً إلا بعد مرور الأيام الـ10 القانونية من رفض الرئيس كلينتون التوقيع عليه. وحتى في ذلك الحين لم يلق هذا القرار ترحيباً كبيراً في الولايات المتحدة بشهادة صحيفة نيويورك تايمز، التي كتبت حينها أن القرار سيظهر الولايات المتحدة في نظر أصدقائها وأعدائها بأنها وسيط غير منصف في قضية الشرق الأوسط.

الفرصة كانت متاحة حينذاك، وظلت الفرصة تقدم نفسها خلال 22 عاماً متصلة، والفرصة لا زالت متاحة للعمل الديبلوماسي الرسمي والشعبي للتأثير في القرار، إن كنا نريد حقاً إنقاذ القدس من التهويد الكامل والشامل بعيداً عن «الهياط»، الذي اعتدنا ممارسته طوال سبعة عقود من الاحتلال.

يؤكد الكاتب فيليب بومب أن الرأي العام الأميركي ليس مؤيداً بالكامل لمسألة الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ولا لمسألة نقل السفارة، ويستشهد باستطلاع للرأي أجرته جامعة ميريلاند الأميركية أظهر أن نسبة اثنين إلى واحد من الأميركيين المستطلعة آرائهم يعارضون نقل السفارة بعد أن قدمت لهم حجج مقنعة، وأنه حتى الجمهوريين منهم كانوا منقسمين تجاه هذه المسألة.

كاتب «واشنطن بوست» هذا يقول لكم «هذه هي الساحة التي يجب أن تعملوا فيها، ودعوكم من (الهياط) المعتاد».

ومن أبرز مظاهر «الهياط» ارتفاع صوت العنتريات على الفضائيات وعلى المواقع الإلكترونية، وكذلك دعوة السلطان التركي أردوغان لمؤتمر قمة إسلامي في إسطنبول وتهديده بقطع العلاقات مع إسرائيل.

فما الذي أخرك حتى الآن يا سلطان الإخوان المسلمين؟