عبدالله بن بجاد العتيبي 

تصريحان ‬مهمان ‬لوزيرين ‬بريطانيين ‬صدرا ‬في ‬يوم ‬واحدٍ، ‬الخميس ‬الماضي، ‬الأول ‬لوزير ‬الدفاع ‬«جافين ‬وليامسون»، ‬الذي ‬تحدث ‬عن ‬البريطانيين ‬المنضمين ‬لتنظيم ‬«داعش» ‬في ‬العراق ‬وسوريا ‬مؤيداً ‬قتلهم، ‬قائلاً: «‬رأيي ‬ببساطة ‬أن ‬إرهابياً ‬ميتاً ‬لا ‬يمكنه ‬أن ‬يشكل ‬ضرراً ‬على ‬بريطانيا»، ‬والثاني ‬لوزير ‬الخارجية ‬«بوريس ‬جونسون»، ‬الذي ‬قال: «‬إن ‬الحكومة ‬تدقق ‬بشكلٍ ‬أكبر ‬في ‬طلبات ‬التأشيرات ‬والعمل ‬الخيري ‬والروابط ‬الدولية ‬لـ«الإخوان»‬ مضيفاً: (من ‬الواضح ‬أن ‬بعض ‬الجهات ‬التابعة ‬لـ«الإخوان» مستعدة ‬لغض ‬الطرف ‬عن ‬الإرهاب).

تأتي ‬أهمية ‬التصريحين ‬أنها ‬‬للمرة الأولى ‬يصدر ‬عن ‬بريطانيا، ‬وعلى ‬لسان ‬وزيرين، ‬تصريحات ‬قوية ‬في ‬مواجهة ‬الإرهاب ‬بحزم ‬جديد، ‬فتصريح ‬وزير ‬الدفاع ‬تجاه ‬أتباع ‬«داعش» يشكل ‬موقفاً ‬جديداً، ‬وتصريح ‬وزير ‬الخارجية ‬يعبر ‬عن ‬تغييرٍ ‬ما ‬محتملٍ ‬في ‬موقف ‬بريطانيا ‬تجاه ‬«الإخوان».

بريطانيا ‬هي ‬أقدم ‬دولةٍ ‬غربيةٍ ‬بنت ‬علاقاتٍ ‬من ‬جماعة «الإخوان»، ‬وذلك ‬بتقديم ‬دعمٍ ‬مادي سخي ‬في ‬بدايات ‬الجماعة ‬عبارة ‬عن ‬خمسمئة ‬جنيه ‬إسترليني ‬تم ‬تسليمها ‬لحسن ‬البنا ‬نفسه ‬مؤسس ‬الجماعة ‬ومرشدها ‬الأول، ‬وهي ‬منذ ‬ذلك ‬الحين ‬لم ‬تقطع ‬علاقاتها ‬بالجماعة، ‬بل ‬تطورت ‬العلاقات ‬لتشمل ‬كل ‬جماعات ‬الإسلام ‬السياسي، ‬وكل ‬جماعات ‬العنف ‬الديني ‬بلا ‬استثناء، ‬كانوا ‬يجدون ‬في ‬بريطانيا ‬المأوى ‬والدعم ‬والحماية ‬تحت ‬مختلف ‬الظروف ‬ومن ‬جميع ‬الدول، ‬وكانوا ‬يخططون ‬ويجمعون ‬التبرعات ‬ويعقدون ‬اللقاءات، ‬ويصدرون ‬فتاوى ‬التحريض ‬والقتل، ‬ويشاركون ‬في ‬وسائل ‬الإعلام، ‬وينشئون ‬مواقع ‬الإنترنت ‬ويملؤون ‬وسائل ‬التواصل ‬الاجتماعي ‬بكل ‬الأصولية ‬والتطرف ‬والإرهاب.

ظلت ‬بريطانيا ‬على ‬مدى ‬عقودٍ ‬منبعاً ‬وملجأً ‬وملاذاً ‬ثابتاً ‬وراسخاً ‬لكل ‬جماعات ‬وتنظيمات ‬الأصولية ‬والتطرف ‬والإرهاب، ‬فبسهولة ‬يحصلون ‬على ‬الزيارة ‬وبطريقةٍ ‬أكثر ‬سهولة ‬يحصلون ‬على ‬حق ‬اللجوء، ‬ثم ‬يمارسون ‬كل ‬مهمات ‬نشر ‬التطرف ‬والإرهاب ‬في ‬أمنٍ ‬وأمانٍ ‬تامين ‬كاملين، ‬فأي ‬رغبة ‬في ‬أي ‬شكلٍ ‬من ‬أشكال ‬التغيير ‬هناك ‬تعتبر ‬أمراً ‬يستحق ‬الرصد ‬والمتابعة.

‬«الإخوان»، ‬وحزب ‬«التحرير»، ‬«السرورية»، ‬وتنظيمات ‬ورموز ‬متطرفةٌ ‬من ‬العديد ‬من ‬دول ‬العالم ‬العربي ‬والإسلامي، ‬سنةً ‬وشيعةً، ‬كانوا ‬ولا ‬زال ‬بعضهم ‬يعيشون ‬في ‬بريطانيا ‬ويؤدون ‬نفس ‬الأدوار ‬ويقومون ‬بذات ‬المهام، ‬وكأن ‬شيئاً ‬لم ‬يكن، ‬مع ‬كل ‬ما ‬أسفر عنه التطرف ‬من ‬أضرارٍ ‬بالغةٍ ‬ببريطانيا ‬نفسها، ‬وكل ‬ما ‬صنعته ‬بعد ‬وصول ‬النار ‬إلى ‬الداخل ‬البريطاني ‬هو ‬التخلص ‬من ‬بعض ‬الرموز ‬المباشرين ‬للإرهاب ‬دون ‬التطرق ‬لرموز ‬التطرف ‬ومؤسساته، ‬وهذا ‬أبعد ‬ما ‬يكون ‬عن ‬الأدوار ‬الحقيقية ‬التي ‬تقودها ‬دول ‬المقاطعة ‬الأربع ‬لقطر ‬لمحاربة ‬الإرهاب ‬من ‬جذوره، ‬والتي ‬تدفعه ‬باتجاه ‬القضاء ‬على ‬الإرهاب ‬بشكل ‬فاعلٍ ‬ومؤثرٍ.

ما ‬يبعث ‬على ‬الريبة ‬من ‬حقيقة ‬تطور ‬ما ‬في ‬الموقف ‬البريطاني ‬تجاه ‬التطرف ‬والإرهاب ‬هو ‬أن ‬وزير ‬خارجيتها ‬لم ‬يكد ‬يجف ‬حبر ‬تصريحه ‬أعلاه ‬إلا ‬وهو ‬يزور ‬طهران، ‬أكبر ‬دولة ‬داعمة ‬للإرهاب ‬والأصولية ‬والطائفية ‬في ‬العالم.

احتفلت ‬الدولة ‬العراقية ‬قبل ‬يومين ‬بالقضاء ‬على ‬تنظيم ‬«داعش»، ‬وهو ‬احتفال ‬مؤقت ‬للأسف، ‬فمعركة ‬الدولة ‬هناك ‬مع ‬الإرهاب ‬الشيعي ‬مهمة ‬أخطر ‬من ‬معركة «‬داعش»، ‬ولا ‬تبدو ‬الدولة ‬قادرة ‬على ‬خوضها ‬ضمن ‬المعطيات ‬الحالية، ‬وفي الوقت ذاته، فإن ‬تطورات ‬الشأن ‬اليمني ‬تشي ‬باتجاه ‬قويٍ ‬للقضاء ‬على ‬ميليشيات ‬«الحوثي» ‬بعد ‬سلسلة ‬القتل ‬والتنكيل ‬بأعضاء ‬«المؤتمر ‬الشعبي ‬العام» ‬بعد ‬اغتيال ‬الرئيس ‬السابق ‬علي ‬عبدالله ‬صالح. ‬وفي ‬معركة ‬«داعش» ‬في ‬سوريا ‬والعراق، نجد أن ‬حضور ‬أنصار ‬«داعش» ‬البريطانيين ‬أقوى ‬من ‬حضور ‬بريطانيا ‬في ‬محاربة ‬التنظيم، ‬وفي ‬اليمن ‬لم ‬تعبر ‬بريطانيا ‬عن ‬موقف ‬جاد ‬في ‬دعم ‬الشرعية ‬وتحالف ‬دعم ‬الشرعية ‬هناك، ‬ولم ‬تدن ‬بالشكل ‬المطلوب ‬كل ‬أنشطة ‬«الحوثي» ‬وميليشيات ‬إيران ‬في ‬اليمن ‬وغيرها. أخيراً، ‬فالمعركة ‬مع ‬الإرهاب ‬معركة ‬وجود ‬بالنسبة ‬لدولنا ‬العربية، ‬وإنْ ‬لم ‬يجدها ‬وزير ‬خارجية ‬بريطانيا ‬معركة ‬وجود ‬في ‬بلاده.