عبدالعزيز المقالح

وسط تحذيرات من قادة العالم ومنظماته الدولية الحريصة على ما تبقى في هذه الأرض من مظاهر الاستقرار والسلام جاء إعلان الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» القدس عاصمة لـ «إسرائيل». وكان كثير من العقلاء داخل الولايات المتحدة وخارجها يتوقعون أن تلك التحذيرات ستصادف استجابة فورية وتردع الرئيس الأمريكي من أن يجازف في إعلان خطوته الخطيرة التي تجنبها كل الرؤساء الذين سبقوه إلى البيت الأبيض، لكن تلك التوقعات ذهبت في الهواء ولم يستجب لها «دونالد ترامب» الذي صار يتصرف - وهو على رأس دولة عظمى - خارج حدود المسؤولية والالتزام بالقيم والتقاليد والأعراف والقوانين الدولية.

لقد سبق لعدد من المفكرين والكتّاب الأمريكيين، ومنذ وقت مبكر، أن شككوا في قدرات «ترامب» السياسية، وكانوا يتابعون بوعي وعمق تصرفاته ويستخلصون منها اهتزاز مواقفه وقراراته وجهله المطلق بالقضايا السياسية. 

وكان هناك من هؤلاء من يرى أن خطوته الأخيرة، خطوة الإعلان عن القدس عاصمة لدولة الاحتلال ليست نزوة من نزواته ولكنها خطوة مطلوبة ليُسدد من خلالها استحقاقاً عليه للوبي الصهيوني الذي سانده في الانتخابات وأوصله إلى رئاسة الدولة العظمى، والدليل على ذلك ما ظهر بعد نجاحه وبعد دخوله البيت الأبيض من اختيار أغلب مساعديه إنْ لم يكونوا كلهم من اللوبي الذي عرف وبأسرع ما يمكن كيف يحقق أهدافه ويصوغ من القرارات ما سقط بعضها بحكم القضاء أو تحت الضغوط الشعبية.

وهنا لا ننسى أن نشير بوضوح وبمرارة إلى أن الوضع العربي الراهن قد لعب دوراً هيأ لاتخاذ مثل هذا القرار، فقد أنشغل العرب بخلافاتهم الصغيرة وتركوا قضاياهم الرئيسية والمركزية في مهب الرياح يتجاذبها الأعداء ويصدرون بشأنها القرارات التي تساعد على تحقيق مأربهم ويعملون في أمان برسم مستقبل المنطقة وفق أهوائهم يساندهم عن قصد أو غير قصد جوار إقليمي فاقد الرؤية لا ينظر سوى إلى ما يعتبره مصلحة وما سيخرج به من حصة مسمومة ستعمل آجلاً أو عاجلاً على إغراقه في بحار من المشكلات التي لن يتمكن من التصدي لموجاتها العنيفة والتي في مقدمتها مشكلة الأقليات وسيكون من العمى الذي ليس بعده «عمى»، وقد اتضحت الغايات وانكشفت الوسائل أن يظل العرب يسيرون على نفس المنوال في صراعاتهم الداخلية وعلاقاتهم الخارجية.

والسؤال الذي ينبغي أن يثار ويتم طرحه على مستوى الرأي العام العالمي هو: من خوّل هذا الرئيس لإصدار قرار كهذا؟ بل من خوّل الولايات المتحدة في أن يصدر رئيسها أو حكومتها أو برلمانها قرارات تخص شعوباً أخرى، وأن تعطي نفسها الحق في التدخل في شؤون خارج شؤونها وخارج حدود كيانها؟ لقد بلغ الصلف في تصرفات هذه الدولة وفي رئيسها حد اللامعقول وصار على العالم أن يتحرك في الاتجاه الصحيح فالتحدي في هذا الشأن لم يكن خاصاً بفلسطين والفلسطينيين بل بالعالم بأكمله، هذا العالم الذي سيكون شعوبه عرضةً لقرارات مماثلة تعمل على طمس تاريخها وتغيير معالم حدودها وإلقائها في البحر كما فعل مؤسسو هذه الدولة العظمى بالهنود الحمر سكان أمريكا الأصليين.