عبدالله بن بخيت

نتحدث دائماً عن شيء اسمه السلطة. نحصرها في الحكومات. السلطات الأميركية تمنع والسلطات الفلبينية تسمح. هذه السلطات الحكومية ليست إلا غلافاً مادياً لسلطة أخرى أهم. ما الذي يجعل الصيني صينياً والاسكندنافي اسكندنافياً؟ نقول إن الصيني يحب الثوم ويعتنق البوذية ويقدس الأجداد ويحب لعب الورق.. ثمة شعوب أخرى لا تحب الثوم ولا تعتنق البوذية ولا تقدس الأجداد.. إلخ. من صنع هذه العادات والإيمانات ومن يعمل على المحافظة عليها واستمرارها؟ السلطة الحقيقية التي تقف وراء سلطة الحكومات وتوجهها أصبحت اليوم تواجه التحديات.

من عاش الثمانينيات وما قبلها ووعى الحياة فيها سيرى حياة مختلفة جذرياً. لا يشاهد السعودي في ذلك الزمن سوى قناتين تلفزيونيتين تملكهما وتتحكم فيهما الدولة بالكامل، ولا يقرأ سوى الكتب التي تجيزها وزارة الإعلام.. إلخ. ثمة قوة غير الحكومة تقولب الناس في أي دولة في العالم وتملي بطريقة غير مباشرة على السلطات أن تفرض هذا وتجيز هذا.. هذه القوة تتراجع في أيامنا هذه بشكل سريع، سيحل محلها قوتان أخريان؛ العقل والحرية.. بدأنا نشاهد آثار ونتائج الصدام بين هاتين القوتين الناشئتين مع الرموز.

هذا الإنسان الذي نعرفه صناعة محلية محاط بأطر تبدو له غير قابلة للنقد والانتقاص.. تم تكييفه ليكون كما تريده سلطات المجتمع المختلفة.. الإنسان الذي سنصادفه في المستقبل سيكون صناعة عالمية. بدأ عقله يتعرض لكل شيء يصدر في العالم. بدأ يتنقل من الإذعان إلى حق المقارنة والاختيار.

سيظن البعض أن الغلبة ستكون للغرب بما يملك من خبرة ووسائل وسلطة الأمر الذي سيفرض عاداته وتقاليده وأفكاره. لا أرى هذا. سيادة الغرب التي نراها سببها أن الإنسان الغربي أكثر الشعوب تحكيماً للعقل وأكثر الشعوب تمتعاً بالحرية فأصبح ما ينتجه محط إعجاب الشعوب الأخرى. ما سيحدث في المستقبل هو ثورة على الغرب وليس على الرموز المحلية فحسب. تنحية الغرب عن المكانة العظيمة التي يحتلها. ما كان خاصاً بالغرب (العقل والحرية) آخذ في الانتشار بين الشعوب.

نصف يوم المرء يقضيه على الإنترنت.. يسمع ما يريد سماعه ويشاهد ما يريد مشاهدته.. ما كان متاحاً جزئياً للإنسان الغربي أصبح متاحاً بشكل كامل للعالم.. كان الإنسان الغربي هو الإنسان الوحيد الذي يقرر خياراته في كل ما يخصه كفرد. هذه الميزة على وشك أن تصبح عالمية.

لم يعد الإنسان مقيداً بسلطة الرموز، سينتقل إلى موقع المسؤولية، سيقرر الصح والخطأ.. مسؤوليته لن تكون بعد الآن استجابة للإملاءات وإنما إرضاء الله وضميره ووفقاً لما يحقق سعادته.