عبدالله بشارة

يشير تاريخ مصر الحالي وبقوة إلى شخصين خلصا مصر من ثقل غير مسبوق، أولهما الرئيس السادات محرر سيناء، فمهما كانت التحليلات والاجتهادات، أعاد السادات ما أضاعه عبدالناصر، ووفر السادات لمصر ما نراه الآن في سيناء من بناء وسياحة، وخلص السادات مصر من وحشية الاحتلال بأثقاله وكلفته وافرازاته على السيكولوجية المصرية، فالأجيال تحكم على القائد بانجازاته وليس بشعاراته، بحساباته وليس بمغامراته، فلا أحد يشك بوطنية حكام مصر قبل السادات، ولكنه يبقى أكثرهم حنكة، وأكثرهم شجاعة، في تقبل عبء قراراته، ودفع السادات ثمن جرأته، ومات حاملاً شهادة موقعة بتحرير مصر من الاحتلال.


وإذا كان الرئيس السادات محرراً، فإن الرئيس عبدالفتاح السيسي مصلحاً. وإذا كانت تحضيرات حرب تحرير سيناء أبعدت السادات عن هموم الاقتصاد واصلاح المسار الاقتصادي، فإن الرئيس السيسي أعطاها الأولوية، وذهب في الاصلاح إلى مسافات غير متوقعة لم يجرؤ عليها السابقون، في تحرير ميزانية مصر من أثقال الدعم على مواد غذائية وعلى مشتقات الغاز والكهرباء والماء، وتبنى الرئيس السيسي نظام التدرج في خطواته، مراعياً ظروف المواطن باعطائه جرعة ممكن هضمها، ولكنه وضع الصراحة رفيقا لقراراته، فكان صريحا في حتمية القرار، واضعاً نفسه في صدارة من يتقبل بشفافية التزم بها فأقنع الشعب بأن الرئيس واحد منهم أصابته متاعب ارتفاع الأسعار.
ولم يتوقف الرئيس عن ملاحقة الفاسدين، من الذين أساؤوا إلى كرامة الشعب المصري واستغلوا ثقته، فلا هدنة مع الفاسدين، وبأسلوب صريح وشفاف يضع الفاسد في مقصلة الاغتيال الاجتماعي بتعريته أمام الرأي العام.
ومن الانصاف أن نراعي انشغال الرئيس مع الارهاب، الذي يضرب يومياً في أماكن غير متوقعة، وبأسلوب غير متوقع، لهدف تدمير مصر وتخريب الاصلاحات التي أدخلها الرئيس على الاقتصاد المصري، وعندما يشير الرئيس إلى اضطراب النوم في حياته، فتلك افادة بالشراكة الصادقة في هم الارهاب، بين الحاكم والشعب، بين القيادة التي تعاني وتحارب وتبني وبين القلقين الذين أضاع الارهاب اليقين في حياتهم.
الرئيس السيسي مصري صاف مشحون بالمعاناة شريك مع شعبه في تقبل تضحيات اليوم عسى أن يكون المستقبل أفضل حالاً لأبناء الشعب، ولهذا فقد رسم لنظامه دبلوماسية تتلاءم مع مشروعه في تحسين حالة المصريين، فليس لديه وقت للمغامرات وليس له مزاج للمناكفات، يريد الوصول إلى كل العواصم، ويريد الحصول على ما يمكن من تكنولوجيا واستثمار يسعِد بها المصريين، فالقاهرة في عهده عاصمة بلا خصوم وحاجتها ماسة لمن يسهم باخلاص في تطويرها.
ومع كل هذه التحسينات الجوهرية، لا مفر من ادخال ثقافة الاستثمار في مصر، فلا تكفي القوانين ولا تكفي زيارات وزيرة الاستثمار بكل لمعانها المعاصر، من دون عملية تثقيف لمعاني الاستثمار ولجمالياته وفوائده لشعب مصر، لأن فلسفة الاستثمار تعرضت لحملات قاسية في العهد الناصري شوهت واقعها وصورتها آفة تسرق أموال المصريين وتتآمر على أمنهم وتضعف إرادتهم، فآثار تلك الحملات رسخت في ذهنية الشعب الذي يحتاج إلى القول إن الاستثمار يخلق فرص عمل، ويأتي بالأسواق، ويدرب على الفنون الجديدة للادارة، ويتقبل التكنولوجيا، ويخلق شراكة عالمية، ترفع مكانة مصر.
هناك حاجة مصرية لتواجد قوي لجمعيات النفع العام التي تسهم كثيراً في حملات التنوير والتثقيف ولها دور حيوي في فتح آفاق جديدة في مسار الحياة في مصر بالدفاع عن اصلاحات السيسي الذي يبني ويحارب، ويصارح بالحقائق، ويندفع نحو تحسين حياة كل مصري، فالرئيس السيسي لم ينشئ نظاماً دكتاتورياً بهيئات سرية ومخابراتية تلاحق المواطنين في ما يفكرون ويشتهون، فالنظام الواثق بإمكاناته والمؤمن بمشروعه يجد في تلك الجمعيات عنصراً مساعداً يعرف واجباته، هذه منصات يخاف منها الصغار الذين بيوتهم من زجاج، وهي آليات تثقيف، تنور الناس عن خطورة الارهاب، وترقى في أجواء الحرية، وتدعم النظام في حملاته التنموية، كما تحتاج مصر إلى انفتاح واسع لحرية الصحافة وإعادة كتابة تاريخها بواقعية من دون تشويه.
وكلمة أخيرة، فقد أعاد السيسي الثقة في توازن الدبلوماسية المصرية، وانفتحت أبواب كانت موصدة خلال الحكم الناصري في الاستفادة من منابع التعليم والمعرفة في أوروبا وأميركا التي شككت الثورة الناصرية في جدواها، فلا مفر من تقوية الترابط بين مؤسسات الفكر والمعرفة في العالم المتقدم وبين المعاهد المصرية، كما كانت الحال منذ عهد محمد علي باشا..
حروب السيسي مع الارهاب تتطلب تعبئة شعبية جامعة تصد التخريب وتدعم القيادة وتسندها في المعركة.
نقف مع مصر ونتفهم حجم الثقل على أكتاف الرئيس، خصوصا بعد مذبحة المسجد في سيناء من قبل شياطين الاغتيالات، وكما يقولون عين الله تحرس مصر وشعبها.